تأويله أحد عشر نفسا لهم فضل وكمال ويستضيء بعلمهم ودينهم أهل الأرض ؛ لأنه
لا شيء أضوأ من الكواكب وبها يهتدى ، وذلك يقتضي أن تكون جملة أولاد يعقوب أنبياء
ورسلا.
فإن قيل : كيف
يجوز أن يكونوا أنبياء وقد أقدموا على ما أقدموا عليه في حق يوسف عليهالسلام؟ أجيب : بأنّ ذلك وقع منهم قبل النبوّة ، والعصمة من
المعاصي إنما تعتبر بعد النبوّة لا قبلها على خلاف فيه. (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ) بالنبوّة والرسالة ، وقيل : إتمام النعمة على إبراهيم عليهالسلام خلاصه من النار واتخاذه خليلا ، وعلى إسحاق خلاصه من
الذبح وفداؤه بذبح عظيم على قول أن إسحاق هو الذبيح. (مِنْ قَبْلُ ،) أي : من قبل هذا الزمان وقوله : (إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) عطف بيان لأبويك ثم إن يعقوب عليهالسلام لما وعده بهذه الدرجات الثلاثة ختم الكلام بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ ،) أي : بليغ العلم (حَكِيمٌ ،) أي : بليغ الحكمة وهي وضع الأشياء في أتقن مواضعها.
(لَقَدْ كانَ فِي) خبر (يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) وهم أحد عشر ؛ يهوذا وروبيل وشمعون ولاوي وزبلون قال
البقاعي : بزاي وباء موحدة ويشجر وأمّهم ليا بنت ليان وهي ابنة خال يعقوب وولد له
من سريتين إحداهما زلفى ، والأخرى يلقم كذا قاله البغويّ. وقال الرازي : والأخرى
بلهمة أربعة أولاد وأسماؤهم دان ونفتالي ؛ قال البقاعي : بنون مفتوحة وفاء ساكنة
ومثناة فوقية ولام بعدها ياء ، وجاد وأشر ، ثم توفيت ليا فتزوّج بأختها راحيل
فولدت له يوسف وبنيامين ، وقيل : جمع بينهما ولم يكن الجمع محرما حينئذ (آياتٌ ،) أي : علامات ودلائل على قدرة الله تعالى وحكمته في كل
شيء (لِلسَّائِلِينَ) عن قصصهم.
قال الرازيّ :
ولمن لم يسأل عنها وهو كقوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ
أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [فصلت ، ١٠] وقيل : آيات على نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّ اليهود سألوه عن قصة يوسف ، وقيل : سألوه عن
سبب انتقال ولد يعقوب من أرض كنعان إلى أرض مصر فذكر لهم قصة يوسف فوجدوها موافقة
لما في التوراة ، فعجبوا منه فكان دلالة على نبوّته صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه لم يقرأ الكتب المتقدّمة ولم يجالس العلماء
وأصحاب الأخبار ، ولم يأخذ عنهم شيئا ، فدل ذلك على أنّ ما يأتي به وحي سماوي
أوحاه الله تعالى إليه وعرفه به ، وهذه السورة تشتمل على أنواع من العبر والمواعظ
والحكم منها رؤيا يوسف عليهالسلام وما حقق الله تعالى فيها من حسد إخوته وما آل إليه أمره
من الملك ، ومنها ما اشتمل على حزن يعقوب وصبره على فقد ولده وما آل إليه أمره من
بلوغ المراد ، وغير ذلك من الآيات التي إذا فكر فيها الإنسان اعتبر ، وقرأ ابن
كثير آية على التوحيد ، والباقون على الجمع.
(إِذْ ،) أي : واذكر إذ (قالُوا ،) أي : بعض إخوة يوسف لبعض بعد أن بلغتهم الرؤيا وقالوا :
ما يرضى أن تسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ
،) أي : بنيامين (أَحَبُّ إِلى أَبِينا
مِنَّا) اللام لام الابتداء وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة
أرادوا أنّ زيادة محبته لهما أمر ثابت لا شبهة فيه ، وخبر المبتدأ أحب. ووحد لأن
أفعل يستوي فيه الواحد وما فوقه مذكرا كان أو مؤنثا إذا لم يعرّف أو لم يضف ، وقيل
: اللام لام قسم تقديره : والله ليوسف ، وإنما قالوا : وأخوه وهم جميعا إخوته ؛
لأنّ أمّهما كانت واحدة ، والواو في قولهم : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) واو الحال ، أي : يفضلهما في المحبة علينا وهما اثنان
صغيران لا كفاية فيهما ولا منفعة ، ونحن جماعة أقوياء نقوم بمرافقه فنحن أحق
بزيادة المحبة منهما لفضلنا بالكثرة والمنفعة عليهما ، والعصبة