والعصابة العشرة فما فوقها. وقيل : إلى الأربعين سموا بذلك ؛ لأنهم جماعة تعصب بهم الأمور ويستكفى بهم النوائب (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ ،) أي : خطأ (مُبِينٍ ،) أي : بيّن في إيثاره حب يوسف وأخيه علينا والقرب المقتضي للحب في كلنا واحد ؛ لأنّا في النبوّة سواء ولنا مزية تقتضي تفضيلنا وهي أنا عصبة لنا من النفع له والذّب عنه والكفاية ما ليس لهما.
تنبيه : هاهنا سؤالات : الأوّل : إنّ من المعلوم أنّ تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد فلم أقدم يعقوب عليهالسلام على ذلك؟ أجيب : بأنه إنما فضلهما في المحبة والمحبة ليست في وسع البشر فكان معذورا فيها ولا يلحقه في ذلك لوم.
الثاني : كيف اعترضوا على أبيهم وهم يعلمون أنه نبيّ وهم مؤمنون به؟ وأجيب : بأنهم وإن كانوا مؤمنين بنبوّته لكن جوّزوا أن يكون فعله باجتهاد ، ثم إنّ اجتهادهم أدّى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد لكونهم أكبر سنا وأكثر نفعا وغاب عنهم أنّ تخصيصهما بالبرّ كان لوجوه : أحدها : أنّ أمّهما ماتت ، ثانيها : أنه كان في يوسف من آثار الرشد والنجابة ما لم يجده في سائر أولاده ، ثالثها : أنه وإن كان صغيرا إلا أنه كان يخدم أباه بأنواع من الخدمة أعلى وأشرف مما كان يصدر عن سائر أولاده ، والحاصل أنّ هذه المسألة كانت اجتهادية وكانت مخلوطة بميل النفس وموجبات الفطرة فلا يلزم من وقوع الاختلاف فيها طعن أحد الخصمين في دين الآخر.
الثالث : أنهم نسبوا أباهم إلى الضلال عن رعاية مصالح الدنيا والبعد عن طريق الرشد لا الضلال في الدين. الرابع : أنّ قولهم : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) محض حسد ، والحسد من أمّهات الكبائر لا سيما وقد أقدموا بسبب ذلك الحسد على أمور مذمومة منها قولهم :
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً ،) أي : بحيث يحصل اليأس من اجتماعه بأبيه ، ومنها إلقاؤه في ذل العبودية ، ومنها أنهم أبقوا أباهم في الحزن الدائم والأسف العظيم ، ومنها إقدامهم على الكذب وكل ذلك يقدح في العصمة والنبوّة؟ أجيب : بما تقدّم أنّ ذلك كان قبل النبوّة ، وقرأ نافع وابن كثير وهشام والكسائي بضم التنوين من مبين في الوصل ، والباقون بالكسر ، فإن وقف القارئ على مبين وامتحن في الابتداء يبتدئ بالضم للجميع ، وقولهم : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) جواب الأمر ، أي : يصف لكم وجه أبيكم فيقبل بكليته عليكم ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعكم في محبته أحد ، وقولهم : (وَتَكُونُوا) مجزوم بالعطف على (يَخْلُ لَكُمْ) أو منصوب بإضمار أن (مِنْ بَعْدِهِ ،) أي : قتل يوسف أو طرحه (قَوْماً صالِحِينَ) بأن تتوبوا إلى الله تعالى بعد فعلكم فإنه يعفو عنكم ، وقال مقاتل : يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) هو يهوذا وكان أحسنهم رأيا فيه ، وهو الذي قال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) [يوسف ، ٨٠] وقيل : روبيل وكان أكبرهم سنا (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ ،) أي : اطرحوه (فِي غَيابَتِ الْجُبِّ ،) أي : في أسفله وظلمته ، والغيابة كل موضع ستر شيئا وغيبه عن النظر قال القائل (١) :
فإن أنا يوما غيبتني غيابتي |
|
فسيروا بسيري في العشيرة والأهل |
أراد غيابة حفرته التي يدفن فيها ، والجب البئر الكبيرة التي ليست مطوية سميت جبا لأنها
__________________
(١) البيت للمتنخل في الكشاف ٢ / ٤٢٢.