ابن عرفة : أعرض بقلبه ونأى بجانبه أي ببدنه ، وهو أولى من جعلهما بمعنى واحد لأن التأسيس أولى من التأكيد قال : وجاء هذا على سبيل التأدب مع الله تعالى في نسبة الخير إليه وعدم نسبة الشر إليه فقال الفقهاء ولم يقل إذا أسسناه بالشر فإن قلت : هلا قيل : وإذا أنعمنا على الإنسان كان معرضا كما قيل وإذا مسه الشر كان يؤوسا فالجواب أنه لما كان الإعراض ملازما للإنعام في الأكثر باعتبار الوجود الخارجي لم يحتج إلى المبالغة فيه والنفي في التعبير عنه بمطلق العبارات ، ولما كان الإعراض بين في الناس عند من أكثر لهم الإنعام أقل وقوعا أحتج إلى التعبير عنه بأبلغ العبارات ، وقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) قال ابن عرفة :
وقع السؤال في القرآن تارة بعن مثل ، ويسألونك عن الجبال ، وتارة بماذا كقوله يسألونك ما ذا يتفقون فقال : والجواب أنه إن أريد تشريف السائل والاعتبار به يؤتي بكلامه على سبيل الحكاية مثل ويسألونك ما ذا ينفقون وإن أريد الإعراض عنه وعدم المبادلات به يؤتي بكلامه على سبيل الاعتبار به فيخبر عنه بعن المقتضية للمجاوزة والبعد فإن قلت تصنيع في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) مع أن السائل هم الصحابة فالجواب أنهم لم يسألوا عن أمر مهم بل سألوا عن شيء لا خبرة به.
قال ابن عرفة : وذكر ابن الخطيب في الروح في الأربعين أربعين قولا وذكر فيه ابن راشد في كتاب المرتبة العليا في تعبير الرؤيا بآيتين هؤلاء الحكماء وغيرهم ، ونقل نحوهم عن ابن حسرون وحكى المازري عن الشيخ أبي الحسن الأشعري في الروح : أنه النفس الداخل والخارج.
ابن عرفة : وليس بصحيح لأنا نجد في الحيوان ما لا يتنفس وهو الحوت لأنه في الماء وأجزاء الماء متراصة لا يدخلها هواء والتنفس إنما يحدث الهواء البارد (١) ... به النفس وسكن حرارتها ، قال المازري : وبعض الناس يرى أنه جسم لطيف خلقه الله تعالى ، وإجراء العادة أن الحيوان لا يكون مع فقده.
ابن عرفة : أراد أن وجود الحياة عند ممازجة الروح للبدن أمر عادي وليست الروح بموجبة للحياة ولا ملازمة لها كملازمة العالمية والقدرية لمن قائم به العلم والقدرة وإنما ذلك في خلق الله تعالى لأن العلم والقدرة صفتان يوجبان لمن قامتا به حصول بدل لهما بخارج الروح على هذا التأويل قلنا جسم أو قالا الجسم لا يوجب له شيئا
__________________
(١) بياض في المخطوطة.