وقيل : يبقى الحسن كالاستدعاء إلى الدين ، واختار هذا الإمام يحيى محتجا بقوله تعالى : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٦٤] والاستدلال بهذه الآية محتمل ؛ لأنه لم يبين أن وعظهم مع علمهم بأنهم مهلكون ، ولهذا قال : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ، وقد تقدم أطراف في هذه المسألة.
قوله تعالى
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) [نوح : ٨ ، ٩]
هذا العطف يدل على أنه دعاهم ثلاث دعوات ؛ لأن العطف يدل على المغايرة ، وقد قال جار الله ـ رحمهالله ـ : فعل عليهالسلام ما يفعله الآمر والناهي من البداية بالأهون ، والترقي إلى الأشد فالأشد ، فافتتح بالمناصحة في السر ، فلما لم يقبلوه أتى بالمجاهرة ؛ لأنه أبلغ ، فلما لم يقبلوا أتى بالسر والمجهارة معا ؛ لأن الجمع أغلظ من الإفراد.
وثمرة هذا : أن الآمر والناهي يأتي بما يكون أقرب إلى النفع.
وقوله تعالى : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [نوح : ١١]
دلالة على أنه يرغب من دعا إلى الدين بمنافع الدنيا والآخرة وذلك كثير في كتاب الله تعالى في سورة الصف (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [الصف : ١٣] وفي سورة الأعراف : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] وفي سورة المائدة : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦] وفي سورة الجن : وأ (لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) [الجن : ١٦].