التكليف به إلا مع التمكن ومع القدرة عليه ، كما حكى عن الركراكي وغيره من الصالحين : وهذا الجنس من ذلك القبل بل يصح التكليف به وإن كان غير واقع في علم الله تعالى ، وحمل الزمخشري في الترجي على الوجوب وهو مناسب لمذهب [١٢/٢] المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الطائع يجب على الله أن يثبته ، كما قالوا في قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات : ٥٦].
قال ابن عرفة : وإذا فسرنا العبادة بالتوحيد ، كما قال ابن عرفة : فيكون في الآية دليل على أن النظر واجب بالعقل ، ولو وجب بالشرع لأمروا أولا بالنظر ثم بالتوحيد ، فإن فسرنا العبادة بفعل التكاليف الشرعية من الصلاة والزكاة وغير ذلك ، كما قال الزمخشري : فيكون فيها دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة إلا أن يقال : أنهم كلفوا بالأمر وفروعه دفعة واحدة.
قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً).
أخبرهم أن الله خلقهم عقبه بسبب عبادته هو من ضروريات الأجسام المخلوقة وهو الخبر ، وعبر عنه بالفراش تنبيها على أنه نعمة لهم كالفراش الذي ينام عليه الإنسان ويتلذذ فيه ويطمئن إليه.
قال الزمخشري فيه : إما منصوب صفة للنعت كالذي خلقكم وعلى المدح والتعظيم ، أو رفع على الابتداء وفيه ما في النصب من المدح.
قال ابن عرفة : لا يكون فيه ما في النصب إلا إذا كان خبر ابتداء مضمر ؛ لأن معناه الممدوح (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) ، وإن كان مقيدا فلا يقدر ذلك التعظيم الذي في النصب لهذه ؛ لأنه إذا جعله خبرا يقدر المبتدأ معرفا بالألف واللام فيفيد الخبر والتعظيم ، وإن جعله مبتدأ يقدر خبره نكرة.
فإن قلت : قيل : لا الذي جعل لكم ولمن قبلكم ، كما قيل : (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟
وأجيب بأربعة أوجه :
الأول : قال عرفة : إما أن يجاب بأنه من الحذف الأول لدلالة الأول عليه ، أو يظن حصول العلم بخلق الله لهم لا يستلزم العلم بخلق الله لمن قبلهم لزوما عقليا ، بخلاف الإخبار بجعل الأرض فراشا لهم بعد أن ذكر أن الله خلقهم وخلق من قبلهم