قال ابن عرفة : اختلفوا هل الخلق نفس المخلوق أو غيره؟ فحجة من قال : إنها نفسه فإنه لو كان غيره للزم عليه إما قدم العالم إذا قلنا : إن ذلك الخلق لا يفتقر إلى خلق آخر ، وإما مع التسلسل إذا قلنا بالافتقار ، وأجاب الآخرون بأنه لو كان نفسه للزم عليه إضافة الشيء إلى نفسه في هذه الآية وأمثالها.
ابن عرفة : والتحقيق في الشرع يطلق ويراد نفس المخلوق ، كقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [سورة المؤمنون : ١٤] والآخر يطلق على الإنشاء والاختراع والتكوين كهذه الآية ، والتأكيد من تنبيه على غفلة الناس كالتفكر في مخلوقات الله تعالى كقول الشاعر :
جاء شقيق عارضا رمحه |
|
أن بني عمك فيهم رماح |
واكتفى هنا بذكر الليل والنهار عن ذكر لازمها ، وهما الشمس والقمر وعكس في نوح ، فقال : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [سورة نوح : ١٥].
قوله تعالى : (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
أي في كل واحد منهن آية ، ابن عطية : والمراد العقل التكليفي لا أزيد من ذلك.
قوله تعالى : (قِياماً وَقُعُوداً).
جعل ابن عطية الواو بمعنى ، أو فهو على تنويع الناس ، الزمخشري : ابن عمر وعروة وجماعة ، أنهم خرجوا يوم العيد فتلا بعضهم هذه الآية ، فقاموا يذكرون الله على أقدامهم.
ابن عرفة : مذهبنا أن الذكر جالسا أفضل ، ابن عطية : قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا عبادة كالتفكر" ابن عرفة : لأنه إذا تفكر في مخلوقاته وقدرته يستزيد علما بمعبوده ، ومجرد العبادة لا تزيد علما فلذلك كان التفكير أفضل.
قوله تعالى : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً).
فسره الزمخشري على مذهبه ، وهو ظاهر في مذهبهم ، وكان بعضهم يستضعف فهم الآية على مذهب أهل السنة ، وسألني عنها فقلت له : معناها ما خلقت هذا مخالفا لما أتتنا به الرسل عنه من الحصر والنشر والإعادة والثواب والعقاب بل هو موافق ذلك ، ودليل عليه لا لأجله وعلة فيه ، ومثله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [سورة الحجر : ٨٥] وكون فعل الله تعالى إما واجب ، وإما جائز ، أو مستحيل فالمعتزلة يقولون : بالوجوب بقاعدة التحسين والتقبيح العقلي ، ونحن نمنع