أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، وثبوت الأخص يستلزم نفي الأعم ؛ لأن هذا البيان عدم البيان ، ويكون إما بكتم الكتاب عنهم من أصل ، وإما بإلقائه لهم مبهما غير مبين فلما أمر بالبيان توهم أنهم ما بيتوا للأمة إلا ما سمعوه منهم ، وأما ما يبلغ الناس فلا يلزمهم ببيانه ، فقيل : فلا تكتموا عنهم ما بلغكم منه ولم يشعروهم به ، قلت : لئلا يقال أنهم ما يجب عليهم أن تبلغوا الناس إلا آية التكليف وما يتعلق به حكم من وعد ووعيد ونحوه ، فيبلغون ويعلموا بمقتضاه وما سوى ذلك هي القصص الخارجة عن أمور التكاليف العملية والعلمية فليس بواجب عليهم فأخبر عن ذلك بقوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُونَهُ) ، وأجيب أيضا بأن المراد (لَتُبَيِّنُنَّهُ) لعوام الناس (وَلا تَكْتُمُونَهُ) عن خواصهم أي القوه مبينا وغير مبين بحسب الحاضرين ، قلت : وأمروا ببيان ما نزل فيه إذا كانوا يلقوه عليهم غير مبين ، وأن لا يكتم عنهم ما سينزل منه في المستقبل.
قوله تعالى : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ).
قال الفقيه أبو العباس أحمد بن غلبون يقول : الظهر هو الوجه ، فهو من وجوه قدامهم ، وأجيب : بأن المراد بالظهر مقابل الأمام فهم نبذوه ورائهم مبالغة في النبذ ، وتقدم نظيره في البقرة.
قوله تعالى : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً).
جعل الثمن مشترى ، وهم متمنون لكن كل واحد منهما مشتري يباع ، وانظر ما سبق في البقرة في قوله تعالى : (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [سورة البقرة : ٧٩].
قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا).
ابن عطية : قرأ حمزة (لا تَحْسَبَنَ) بالتاء وكسر السين فلا تحسبنهم بالتاء ، وكسر السين وفتح الباء.
ابن عرفة : الذي ذكر في القراءة بفتح السين وتنكير مفازة للتقليل ، أي لا تحسبنهم بمفازة قليلة من العذاب ، وإذا انتفى دل على نفي الكثير من باب أحرى.
قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
ابن عرفة : وتقدم لنا أن هذه الواو عكس هذه الواو في قوله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [سورة آل عمران : ١٥٤] لأن تلك نص سيبويه على أنها واو الحال ، وليست عاطفة والمانع لفظي حسبه المفهوم.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).