قال ابن عرفة : والعطف ترق لكن قصر الأصوليون في الكليات الخمس أن آكدها حفظ الأديان ، ثم النفوس ثم العقول ثم الأنساب ثم الأموال ، كذا رتبها الآمدي ، وابن الحاجب ، وقال ابن التلمساني : آكدها الدين وحفظ الأنساب وحفظ الأعراض وحفظ العقل وحفظ المال ، وظاهر الآية مخالف لذلك سيما بين قوله تعالى : (أَنْفُسِكُمْ) مع قوله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فيوهم أن حفظ الأعراض آكد من حفظ النفوس وأميز ، كذلك ؛ لأن الأعراض إنما فيها حد القذف ، والنفوس فيها القصاص في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة ، حتى قال ابن عباس وغيره : إن قاتل النفس مخلد في النار ولا تنفعه توبه لكن مجاب بأن ضم حفظ الأعراض هنا إلى سبب نزول الآية يدل على أن هنا راجع لحفظ الأديان ، وهو آكد من حفظ النفوس ، كما سبق فصح أنه ترق على بابه ، قيل لابن عرفة : (وَلَتَسْمَعُنَ) مستقبل وما ذكروه في سبب نزول الآية تقتضي أنه متقدم عليها ، فقال : هو واقع فيها معنى ، وتزايد في المستقبل.
قوله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا).
عبر بإن دون إذا مع أن الصبر مطلوب لواجبة مراد وقوعه فهو إشارة [٢٢/١١٠ و] إلى المعتبر منه ، المشكوك في وقوعه منهم فإذا أمر بالمعتبر منه أمر معزوما عليهم دل على الأمر بالمتيسر منه من باب أحرى ، فإن قلت : لم قال (وَتَتَّقُوا) ، قلت : لأن الصبر على نوعين : تارة : يكون للتجلد ، والحمئة في الباطل وإظهار القوة والرياء والسمعة ، وتارة : يكون للتقوى ونصرة دين الله عزوجل تأمروا بأن يصبروا صبرا يبتغون به وجه الله وهو الذي يصحبه التقوى فقط.
قوله تعالى : (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
فهو دليل على الجواب وعلة له ، أي يجوزوا الفضيلة العظمى ؛ لأنكم أسلمتم أمرا معزوما عليكم فيه والأمور ، قال ابن عطية : فالمراد هنا الشأن.
ابن عرفة : وهو عام لكن جمع لاختلاف أنواعه.
قوله تعالى : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ).
ابن عرفة : إن قلت : المناسب في الترتيب باعتبار الفهم عكس هذا ؛ لأن عدم كتمانه إنما يفيد لقاءه فقط هو الفاء مبين أو غير مبين ، والأمر بتبيانه بعد الأمر بالغاية المفهوم ، من قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُونَهُ) وزيادة فلو عكس لكان الأمر تأسيسا وهو ملقى ، أو لا غير مبين ثم بين في تأتي حال ، قال : والجواب أنه روعي فيه ما تقرر من