ابن عرفة : بل وعيد لهم ، وإنما التسلية بقوله تعالى : (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ثم عقبه ببيان أنهم يموتون ويصير كل فريق إلى قدر له من الثواب والعقاب.
ابن عرفة : والدليل على أن الآية إنذار ووعيد للجميع.
قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ).
الزحزح يقتضي أن الأصل مماسة النار وملاصقتها للجميع قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [سورة مريم : ٧١] ، وقال بعض المتصوفة : ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، إنما العجب ممن سلم كيف سلم.
قال ابن عرفة : وهذا عام باق على عمومه ، إن قلنا : إن ذات الله لا مطلق عليها نفس وإن جوز ما إطلاق النفس عليها أخذا بظاهر قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [سورة المائدة : ١١٦] ، فيكون مخصوصا قيل له : الأرواح للنفس قال الفخر : ويتناول الجمادات فرده ابن عرفة : بقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ) وبأن الموت إنما مصدق على من يقتل الحياة ، قال : إلا أن يريد بالنفس الذات ويجعله من قسم السلب مثل الحائط لا يبصر إلا من قسم العدم ، والملكة مثل : زيد لا يبصر ، قال : وذكر الأصوليون والمناطقة والنحويون الكل والكلي والكلية ، فالكل : الحكم على المجموع من حيث هو مثل : ... ، والكلي : هو ما لا يمنع نفس تصور معناه من وقوع الحركة فيه مثل : الإنسان حيوان ، والكلية : هي الحكم على المجموع باعتبار تتبع الأفراد ، مثل كل إنسان حيوان موجود في زمن ، وهذه الآية من قسم الكلية بحسب التمثيل بها.
قوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ).
قال ابن عطية : هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر أمته.
ابن عرفة : لا ينبغي إدخال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الكتاب ؛ لأن هذا الخطاب تهيئة الصبر على المصائب ، وتوطين النفس عليها ليكون المخاطب على هيئة خشية أن يلحقه خوف وهلع ، والنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ممن لا يتأتى لمثل ذلك ، وقد قال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى (١) ".
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه : ١٢١٠ ، وأبو داود السجستاني في سننه : ٢٧٢٠ ، وابن ماجه في سننه : ١٥٨٥.