قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا).
حمله الزمخشري على وجهين :
أحدهما : ولتبين الثابت على الإيمان من غيرهم تمثيلا ، أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت منكم من غير الثابت.
الثاني : وليعلمهم علما يتعلق به الجزاء.
قال ابن عرفة : هذا يوهم أن تم علما لا يتعلق به الجزاء ، قال : والفرق بين العلم والمعرفة ، أن المعرفة من المتصورات والعلم تصديق وهو باطل لقولك : عرفت زيد فأنه تصديق لا تصور ، ويجاب : بأن مراده وأن متعلق العلم تصديق ومطلق المعرفة تصور موت من مات من الكافرين محاق له مصيره إلى العذاب الأليم ، وموت من مات من المؤمنين شهادة له لمصيره إلى الثواب والنعيم المقيم.
قوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا).
ابن عطية : التمحص تمييز الشيء مما هو منفعل عنه ، والمحص تميزه مما هو متصل به ، تقول : محصت عن زيد في بني تميم فوحدته ، ومحصت الذهب من الفضة ، أي خلصته منها ، ومنهم من قال : المحص في الأمور الحسيات ، والمحص من العقوبات ، فإن قلت : لم عبر عن المؤمنين بالفعل ، عن الكافرين بالاسم ، فأجيب بوجهين :
الأول : لحديث" سبقت رحمتي غضبي فمن اتصف بأدنى الإيمان مغفور له ، والمغضوب عليه إنما هو من كفر وداوم على كفره ، وصمم عليه وثبت".
قيل لابن عرفة : أو يجاب بأن المراد من قرح الإيمان بالمعاصي فمحص الله حسناته من سيئاته ، والكفر ليس معه حسنات فلذلك عبر عنه بالاسم ، فإنه لا يتناول إلا من أخص الإيمان ، ولم يخلط بمعصيته ، فرده ابن عرفة : بأن هذا عزيز لا يعلم إلا لمن هو معصوم ، قال : وعبر عنهم بالوصف دون الاسم تنبيها على الصفة التي لأجلها مدح هؤلاء ، وذم هؤلاء ، وهذان الوجهان مدح للمؤمنين ، وحسرة للكافرين فهما معا في حق النبي صلىاللهعليهوسلم بشارة سرور.