تأوله ابن عطية : بأمرين :
أحدهما : إما لا توبة لهم فتقبل ، مثل على لا حب يهتدي بمناره ، وأما إن كان عند العز عزه والمعاينة ، زاد الزمخشري أنها كناية عن عدم إيمانهم ، مثل : فلان كثير رماد القدر فهو من إقامة المسبب مقام السبب ، أي يؤتون كفارا فيدخلون في جملة من لا تقبل توبته ، والآية في قوم معينين من اليهود ؛ لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه ، فإن قلت : لم أدخل الفاء في قوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ) ولم يدخلها لن يقبل توبتهم ، فأجيب : بقوة السببية ، وظهورها في الآية الثانية دون الأولى ، لأن موتهم كفارا سبب في عدم قبول الفدية منهم وكفرهم النبي سبب في عدم قبول توبتهم ، بدليل ما قالوا من أنها في قوم مخصوصين ؛ لأن هناك من أسلم وحسن إسلامه ، وقبلت توبته ، قال ابن عرفه : واستعمل في الآية شبه مقدمتين صغرى وكبرى ، فكأنه قال (الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) يموتون كفارا ، وكل من كفر ومات كافرا لا تقبل منه الفدية بملء الأرض ذهبا.
قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
قال ابن عرفة : في الآية تخفيف وتشديد ، والتخفيف من قوله تعالى : (مِمَّا تُحِبُّونَ) ولم يقل : من أحب الأشياء إليكم فيتناول ذلك النفقة من المحبوب والأحب والصحابة ، إنما كانوا ينفقون من الأحب لمحافظتهم على أسنى الدرجات ، والتشديد في النفي بلن وهي أبلغ من لا ، وفي تعليق الغاية بحتى المقتضية دخول ما بعدها فما قبلها دون إلى الغير مقتضية للدخول وهذا مثل قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) [سورة البقرة : ٢٦٧] واختلفوا في البر ، فقيل : هو درجة الكمال ، أي لن تكونوا أبرارا ، وقيل : هو الجنة ، وقيل : هو الثواب.
ابن عرفة : فإن قلنا : به درجة الكمال ، فظاهر ، وإن قلنا : المراد به الجنة أو الثواب فيبقى السؤال فيمن أنفق مما يكره كمن يكره الموز والرمان فيتصدق بهما مع أن له الثواب ، فلا بد أن [١٩/٩٤ و] تكون الألف واللام للعهد ، والمراد الخاص ، وهو ثواب خاص لا مطلق الثواب ، فلذلك عرفه بالألف واللام.
قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
اعتراض خشية أن يتصدق بشيء محبوب عند الناس وهو يكرهه ويظهر أنه المحبوب له لينال هذا الثواب الخاص ، فإن الله به عليم بما في نيته وكذلك من يتصدق