أنكر الزمخشري : تفريق من فرق بأن على مقتضي أوائل الإنزال وإلى انتهاءه وآخره.
ابن عرفة : وهو صحيح ؛ لأن هذه الآية خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، فالقرآن أول ما نزل عليه فناسب تعديته بعلى ، وآية البقرة خطاب له ولأمته ، والقرآن لا ينزل عليهم بل نزل عليه وتلقاه أمته منه فناسب إلى النفي لانتهاء الغاية ، وكرر (وَما أُوتِيَ) في البقرة ، ولم يكرر هنا ؛ لأن آية البقرة خطاب لجميع الناس واحتيج فيها إلى تأكيد الأعم وتكراره ، وهذا خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وحده ، فلم يحتج فيها إلى تأكيد الأمر ، لأن أدنى شيء من التكليف كان في حقه.
قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ).
أي في الأحكام الاعتقادية لا في الأحكام الشرعية ، لأن ثواب شرائعهم بينهم مختلفة ، ومنهم من قال : لا نفرق بينهم في التفضيل كما ورد" لا تفضلوني على يونس ابن متى ، ولا تفضلوني على موسى" وهو مردود ، بقوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].
قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ).
حمله الزمخشري على التوحيد وإسلام الوجه لله.
ابن عرفة : والظاهر حمله على دين الإسلام المحمدي ؛ لأن الشرط يقتضي الاستقبال ، وليس بعد نزول الآية من دين الإسلام إلا الملة المحمدية ، وفي الآية ترجيح لمذهب ابن حبيب ، القائل : بإلحاق الزكاة وسائر أخوات الصلاة بالصلاة ، في أن تاركها كافر ، لقوله في الحديث : " ما الإسلام ، قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (١) " ، وقال : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) قيل لابن عرفة : هناك لمن تركها ، والآية تقتضي من طلب غير الإسلام ، وقصد ذلك وتهاون به فقال : بل هي عامة ، وقال ابن الخطيب : احتج بها من يقول إن الإسلام بمعنى الإيمان إذ لو كان غيره لزم أن يكون الإيمان غير مقبول ، وأجيب بأنه غيره لكنه أعم من الإسلام فلا يقبل الاتصاف بالأعم فقط ، مع التمكن من الأخص ، وأجاب ابن عرفة : بأن يقول :
__________________
(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه : ٢٣٣٧.