ابن عطية : أي لو لا دفعه الكفار بالمؤمنين لفسدت الأرض لعموم الكافرين من أقطارها ، ولكنه لا يخبر من داع إلى الله تعالى ، ويقاتل عليه إلى أن جعله في أمة محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقال مكي : أكثر المفسرين على أن المراد لو لا أن يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي ، وبمن يتقي عمن لا يتقي ، يهلك الناس بذنوبهم ، وضعفه ابن عطية : قال : والحديث الذي ذكر ، عن ابن عمر المعارض للآية ، لا يصح انظره في تفسير مكي.
ابن عرفة : وكان بعضهم يبدي من الآية معنى ذكره البيانيون : وهو الفرق بين قولك : أكلت بعض الرغيف ، وبين قولك : أكلت الرغيف بعضه ، وكذلك أكلت بعض الشاة ، وأكلت الشاة بعضها ، فاتفق له : أكلت الشاة بعضها إلا إذا كان المأكول أكثرها أو أطيبها وأفضلها ؛ لأنه من باب إطلاق اسم الكل على الجزء ، ولا يكون إلا لمعنى ، قال : وفي الآية حجة على من يجعل لفظ البعض لا يطلق إلا على الأقل ، وهو خلاف نقله الآمدي في شرح الجزولية في باب التثنية والجمع ؛ لأن البعض الأول عبر به عن الدافع ، والبعض الثاني عن المدفوع ، والدافع إما أقل من المدفوع أو أكثر أو مساو ، وأجيب : بأن هذا لازم إذا كان قسمين فقط ، ولعلها ثلاثة أقسام : دافع ، ومدفوع عنه ، ومدفوع.
ابن عرفة : وفي الآية حجة للقول بأن العقل خلا عن [٧٠ و] سمع قط لاقتضائها أنه لو لا ذهاب الفساد وبالصلاح المرشد إلى اتباع أوامر الله ونواهيه لعم الكفر والفساد الأرض ، فلو خلا العقل من سمع في زمن من الأزمان لهلك الخلق كلهم ، فقال بعض الطلبة بمحضره : إنما يتم هذا على أحد تفسيري ابن عطية ، والآية دالة على أن الفساد هو الأصل له والأكثر ، فيستفاد منها فيما إذا شككنا في صفته ، واحتملت الصحة والفساد أنها تحمل على الفساد ، كقولهم في فداء المسلمين من أيدي الكفار بالسلاح والكراع ، هل يجوز ويغلب مصلحة استخلاص المسلمين منهم على مفسده تقوي الكافرين بالسلاح أو يمتنع ، وكذلك إذا تترس الكفار المسلمين هل يباح قتل الترس أم لا قولان.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).