قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).
وقال قبله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [سورة البقرة : ٢٢٩] وتقدم فالمعروف أخف من الإحسان ، فالجمع بين الآيتين بأنه لما وقع الأمر بتسريحهن مقارنا للإحسان إليهن خاف أن يتوهم أن الأمر بالإحسان عند تسريحهن للوجوب ، ففيه هنا تنبيه على أنه إحسان بمعروف فهو للندب لا للوجوب ، ولفظ التسريح عندهم من الكنايات الظاهرة في الثلاث.
قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا).
قال أبو حيان : إن كان ضرارا حالا تعلقت : بلا تعتدوا به ، أو فلا تمسكوهن ، وإن كان مفعولا من أجله تعلقت اللام بضرارا ، وكان علة للعلة ، كقولك : ضربت ابني تأديبا لينفع ، ولا يجوز أن يعلق بلا تمسكوهن ، فيكون الفعل قد تغير إلى علة وإلى عاقبة ، وهما مختلفان.
ابن عرفة : ليس امتناعه من جهة الإعراب ، بل من جهة المعنى ؛ لأنه لا يعتد أحد بإمساك زوجته أنه متعد حكم الله كما لا يقصد أحد بالزنا تعدي حدود الله ، وإنما يقصد إضرارها فيؤول أمره إلى تعدي حكم الله ، والزاني يقصد إتباع شهوته ولذته فيؤول أمره إلى تعدي حدود حكم الله.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
ابن عرفة : هذا اختراعي ؛ لأن من يأمره بأمر ويؤكده بالنهي عن ضده ثم يزيده تأكيدا ، فإنما يفعل ذلك لتعلق غرضه واتباعه به ، وبضرره عن عدله فبين أنه لا يلحقه من فعل ذلك نفع ولا ضرر ، ولا يناله من رد ذلك ضرر بوجه.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً).
ولم يقل : ولا تستهزءوا بآيات الله هزوا ؛ لأن الاستهزاء بها أعم من اتخاذها هزوا ، ونفي الأعم أخص من نفي الأخص ؛ لأن اتخاذ آيات الله هزوا أخص من مطلق الاستهزاء بها ، فالجواب : أن الاستهزاء بها لو وقع لما دفع الأعلى المعنى الأخص ، ولذلك أضاف الآيات إلى الله تعالى إضافة تشريف ، ونظيره قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [سورة فصلت : ٤٦] أجابوا ثم بوجهين :