قال الزمخشري : فإن قلت : العزم من أعمال القلب ، فكيف عقبه بالسمع؟ وهو من لوازم الأقوال لا الأفعال؟ ابن عرفة : هذا السؤال لا يوافق أصله ، فإنه يرد صفة السمع لصفة العلم ، فلا فرق عنده بين السميع والعليم ، أيضا فهو ينفي الكلام النفسي ، وأجاب الزمخشري بأن العازم على الطلاق لا يخلوا من مقاولة ودمدمة ، وأجاب ابن عرفة : بأن ثبت الكلام النفسي ، ويصح عندنا سماعه كما سمع موسى كلام الله القديم الأزلي ، وليس بصوت ولا حرف ، أو يقال : إن العزم على الطلاق اعتبارا في نفس الأمر عند الله ، واعتبار في الظاهر لنا بالحكم الشرعي من حيث يرتفع له حكم الإيلاء عن صاحبه ، ويخرج من عهده الحكم عليه ، فهو بهذا الاعتبار لا يعلم إلا بإمارة وقول يدل عليه ، وذلك القول مسموع فعلق به السمع بهذا الاعتبار ، والعلم لا باعتبار الأول.
قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ).
هذا عام مخصوص بالمطلقة قبل البناء والحامل والصغير والآيسة من الحيض.
ابن عرفة : وهو مخصوص بدليل متصل ؛ لأن الحامل معلوم عمارة رحمها فلا بد من إنظارها وإما زوالها ، ومن عداها معلوم براءة أرحامهن ، فلا فائدة في عدتهن ثلاثة قروء ، قيل له : هذا إن قلنا لا تحيض ، وأما على قول ابن قاسم فإنها تحيض فيكون مخصوصا بدليل منفصل عن الآية.
قوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).
مشترك بين الطهر والحيض ، والشافعي يقول : الأقراء هنا الحيض ، ومالك نقل الكل عنه أنها الإطهار ، ونقل اللخمي عنه قولين والقروء في اللغة الجمع.
قيل لابن عرفة : كيف قلت لنا : أن هذا ليس من ذلك ؛ لأن الجمع من قربت الماء في الحوض غير مهموز والقرء مهموز ، قلت لنا : الصحيح أنه القدر المشترك وهو براءة الرحم.
ابن عرفة : والطاهر من لفظ الآية أن الأقراء الحيض ؛ لأن التربص هو الانتظار والانتظار يقتضي أقراء مسألة ، وقد أمر الشارع بالطلاق في طهر لم تمس فيه ، فإذا طلقها طاهرا ، فإن قلنا : أن الأقراء صح الإنظار إليها ؛ لأن القول الأول الحاصل في الحال ، فلا يقال له : انتظره ، وأجيب : بأن الانتظار أسند لمجموع الثلاثة الأطهار ،