الدية ، وهذا بخلاف الدين فإن رب الدين إذا أسقط دينه وامتنع من أخذه ، وأبى ذلك المديون فإنه يخير رب المال على أخذ دينه ، وكذلك إذا حلف أن لا يأخذه وحلف المديون أنه لا يحبسه فإنه يحنث رب المال ، وما ذاك إلا لحفظ النفوس بخلاف الأموال ، فإن المديان يقول له : أقبل ولا أهبها.
ابن عرفة : والقصاص معلل لأنه يفعل كما فعل له كان الامتناع بموالاته يفعل كفعل الممتنع ، قال ابن العربي : واحتج بها الحنفية على أن المسلم يقتل بالكافر ، لقوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) فعمم ولم يقيد ولو كان فيها فرق لبينه ، وأجيب بقوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ولا أخوة بين المسلم والكافر إلا أن يريد بالأخوة الصحبة ، فحينئذ لا يرد السؤال لكن يجاب بما قال الفخر في المحصول في قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [سورة الحشر : ٢٠] قال : المراد مطلق نفي المساوات فيصدق بصورة لأنه أعم من السماوات في الخلود وغيره ، فاحتج بها الشافعي على أن المسلم لا يقتل بالكافر ، قال : والأعم لا إشعار له بالأخص.
قال ابن عرفة : ورد عليه بعضهم بأن الاستواء فعل في سياق النفي يعم ؛ لأن نفي الأعم أخص من نفي الأخص ، فنقول : تلك الآية دلت على نفي المساوات بينهما فلا يقتل المسلم بالكافر ، قال الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي بكر الأنصاري القرطبي : قال الكوفيون والثوري يقتل الحر بالعبد ، والكافر المسلم بالكافر الذمي ، واحتجوا بهذه الآية ، قالوا : الذمي مع الحر متساويان في حرمة الدم على التأييد بدليل أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي فدل على مساوات مال الذمي لمال المسلم فيتساويان في الدم ، إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه.
قال ابن عرفة : فقال له : إنها قطع من المال لأنه من الفساد في الأرض بدليل قول مالك : إن الكافر إذا سرق مال المسلم فإنا نقطع يده ، وإذا زنا بمسلمة طائعة فإنه لا يحد وما ذاك إلا أن أخذ المال من الفساد في الأرض بخلاف الزنا.
قال ابن عرفة : وقولهم في العبد إذا جنا جناية ، وقطع به السيد أن سيده مخير فله أن يسلمه في الجناية مع أنه ينفي سليما في يدية مشكل ، والصواب كان في عقوبته أن يقطع يده ؛ لأن إسلامه في الجناية كبيعه فما يظلم بذلك إلا سيده ، وأما هو فلم يقع عليه عقاب ولا أحد يرتدع به بوجه.