وقوع أصلها وجوبا بالنسبة إلى غيره كان الصبر عليه أغرب وأعجب ، فالمراد بالصابرين من حصل الوصف الكامل من الصبر ، ولو عدي بفي لتناول من حصل منه مطلق الصبر ، وهو الصابر في أول جزء لا من أجزاء القتال لأنه يصدق بأقل جزء ، فقيل : وحين البأس ليصير كمال الصبر فيه من أول القتال إلى آخره ، وأما الفقر والمرض فكلاهما أكثر من الوقوع فلا غرابة فيها لم يحتج إلى التنبيه على كمال الصبر ، قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : الصبر رأس كل عبادة وإذا ذهب رأس الشيء ذهب ذلك الشيء ، وذكر بعضهم أن العهد يكون بالقول وبالفعل فمن يحدث حديثا وهو مترقب ممن يسمعه ، فهذا كالعهد في عدم نقله عنه والتحدث به.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
كرر لفظ أولئك تنبيها على أن كل وصف من هذه كاف في حصول المدح والثناء لا المجموع ، لابن عرفة احتج بها بعض الأصوليين على أن هذه الأمور واجبة ، فقال ابن عرفة : الصحيح عند الأصوليين أن الواجب ما دام تاركه ، فالوجوب إنما يستفاد من الذم على الترك لأن المدح على الفعل كان ذلك قدر مشترك بين الواجب والمندوب.
قيل لابن عرفة : هذه الآية حجة على ابن تيمية في قوله : إن الخبر المستقبل إذا طابق مخبره فإنما يسمى موافقة دوما ولا يسمى صدقا ، وقد سماه هنا صدقا ، فقال ابن عرفة : هي حجة له لأنه يجعل (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) راجعا للماضي ، ويجعل الموفون بعهدهم راجعا للأمر المستقبل فيكون الكلام تأسيسا ، وعلى قولكم : أنه يكون تأكيدا والتأسيس أولى من التأكيد.
ابن عرفة : والصدق هنا المراد به مطلق المطابقة ، كما قال ابن التلمساني شارح المعالم الفقيه في المسألة الأولى من الباب الثامن.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى).
قال ابن عرفة : الخطاب للمؤمنين ، فإن قلنا : إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، فقول إنما عين المؤمنين هنا لما ذكره المفسرون في سبب نزول هذه الآية ، قال : (كُتِبَ) بمعنى فرض أو كتب في اللوح المحفوظ ، وأورد ابن العربي هنا سؤالا قال كيف يفهم الكتب بمعنى الفرض مع أن القصاص غير واجب ، إن الجواب أنا إذا اعتبرنا جهة المجني عليه ووليه ، فالقصاص غير واجب لأنه مخير بين القصاص وأخذ الدية ، وإن راعينا جهة الجاني فالقصاص واجب إذ ليس له القصاص إن طلب الولي