الأول : قال بعض الطلبة : السحرة إما يتلقونه من الشياطين المسترقين للسمع فهو من أعلى إلى أسفل ، فالاحتمال في الإنزال كالاحتمال في الإيتاء الثاني ، قلت : إذا كان النصارى كافرين بما أنزل على موسى واليهود كافرين بما أنزل على موسى ، فالاحتمال لم يزل ، وقال : في هذه بما أنزل إلينا في آل عمران : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا) [سورة آل عمران : ٨٤] فقال ابن الخطيب : إن على صريحه في حصول الشيء من فوق وأعلى يحتمل حصوله من إحدى الجهات السبب والخطاب في قوله : (قُلْ آمَنَّا) [سورة آل عمران : ٨٤] للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والقرآن منزل عليه حقيقة من السماء ، والخطاب هنا للمؤمنين ، وإنما حصل لهم القرآن من النبي صلىاللهعليهوسلم فحصل لهم من فوق ، وأورده الزمخشري في آل عمران ، وأجاب : بأن الوحي يتنزل من فوق ، وينتهي إلى الرسل فجأة تارة واحدة ، قلت : وأخرى ، قال : ومن قال : إنما قال : علينا ، لقوله : قل وإلينا ، لقوله : (قُولُوا) فقد نسب (ألا ترى) إلى قوله : بما انزل إلينا وما أنزل إليكم ، وإلى قوله : و (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ، وأجاب ابن عرفة بجواب آخر : وهو أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لما كان خاطره إلى العالم العلوي أقبل إذا في السماء الجنة ، والعرش ، والكرسي ، والملائكة ناسب تعدي الإنزال له بعلى يشعر بإتيانه من الجهة الشريفة المحبوبة ، بخلاف هذه فإن فيها قولوا فهي خطاب له ولغيره ، وأجاب : هو وبعض طلبته عن تخصيص أول الآية بالإنزال ، وأخرها بالإيتاء فإنه لما كان ظهور المعجزات العقلية على يدي موسى وعيسى أكثر وأشهر من ظهورها على يدي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، لأن موسى ضرب البحر فانفلق ، وألقى العصا فصارت ثعبانا ، وأخرج يده فصارت بيضاء من غير سوء ، ورفع الصخرة من على البئر لابنه شعيب ، ووضع ثوبه على حجر ودخل النهر فمضى الحجر به فتبعه وهو يقول ثوبي حجر ، وعيسى كان يبرئ الأكمة والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، فناسب لفظ الإتيان بخلاف إبراهيم وأولاده فإن اشتهارهم بإنزال الوحي أكثر من اشتهارهم بالمعجزات.
قوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ).
ابن عرفة : الباء إما للسبب ، والمراد أسباب إيمانكم ، وهي البراهين والمعجزات أو للتعدية ، والمراد متعلق الإيمان وهو إلا له ، فإن كانت للسبب فواضح ، أي فإن آمنوا فسبب مثل الأسباب التي أرشدتكم أنتم إلى الإيمان ، فقد اهتدوا وإن أريد متعلق