عائد على المتلو من القرآن لا على نفس القرآن ، قلت : وتقدم في الختمة الأخرى ، قال بعض الطلبة لابن عرفة : اعتزل الزمخشري ، فقال : إذا كانت عداوة الأنبياء كفر فما بالك بعداوة الملائكة وهم أشرف ، فجعلتهم أشرف من بني آدم ولا ينسب عليه كفر ولا إيمان.
ابن عرفة : فيقوله على هذا من كان عدوا لله تدل وهو من باب التبديل لما قبله ، ومعناه أن تكرير اللفظ زيادة.
قوله تعالى : (وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ).
فيه دليل على أن الاستثناء من النفي إثبات ، قيل لابن عرفة : من عاداك فقد عاديته ، فما أفاد قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ؟) فقال : العداوة ليست متعاكسة النسبة ، بدليل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [سورة التغابن : ١٤] مع أن الآباء ليسوا أعداء لأولادهم ، قيل : هي متعاكسة ، فقال : من خارج بالدليل العقلي لا من جهة اللفظ والمادة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ).
قيل لابن عرفة : إن أريد بالمعجزات فظاهر ، وإن أريد آيات القرآن فيؤخذ منه امتناع تخصيص السنة بالقرآن ، والقرآن بالسنة لأنه كلمة بين ، فقال ابن عرفة : فقوله :
إن القرآن بين من حيث دلالته على صدقه من جهة لفظ المعجز وفصاحته ، وإن كان معناه مجملا لا يفهم فلا يمتنع فيه بيان القرآن بالسنة.
قوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ).
قال ابن عرفة : ذم الإنسان على عدم العمل بما كان ، التزم العمل به أشد من ذمه على إنكار ما يعلم صحته ، وقال بعضهم : النّبذ طرح خاص ، وهو عدم الاعتناء بالشيء لحقارته وذمامته وانظر تنبيهات القاضي من العتق الثاني.
قال ابن عرفة : وهو تسلية له صلىاللهعليهوسلم لأنه لما تقدم ذكر إنزال الآيات البينات ولكفرهم بها عقبه بيان أن ذلك شأنهم وعادتهم فلا يلحقك بسببه ضرر ولا حزن بوجه ، فإن قلت : هل يؤخذ منه أن العهد لا يقبل النقض لأجل ذمهم على نقضه ، فالجواب بوجهين بما تقرر في كتاب الإيمان والنذور من أنه في الحكم الشرعي على قسمين : عهد يقبل النقض ، وعهد لا يقبله ، وهذا من الذي لا يقبله وإما بأن الذي