وقع فيه الكلام ، إنما هو العهد المطلق الغير متكرر ، وهذا عهد مؤكد متكرر فلا يقبل النقض بوجه ، فلذلك ذموا على نقضه ، فإن قلت : هلا قيل : أو كلما عاهد فريق منهم عهدا نقضوه لئلا يلزم عليه ذم الجميع بعصيان البعض ، فالجواب : إما لأن الجميع ذموا بسبب رضائهم بفعل البعض ، وإما بأن الذم للفريق الناقض للعهد فقط ، وأتت الآية على هذا الأسلوب لأن نقض العهد من فريق عاهدوهم وغيرهم ، ونقضوا هم أشنع في الذم لهم من نقضهم عهدا اختصوا به.
قوله تعالى : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا) يعلمون.
ابن عطية : الضمير في أكثرهم إما عائدهما على بني إسرائيل أو على الفريق الثاني وضعفه ابن عرفة لأنه يلزم عليه أن يكون بعض الذين نبذوا العهد مؤمنا ، وأجيب :
باحتمال كون النبذ راجعا لعدم الإيمان بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، فبعضهم آمن بكتابه ولم يؤمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم فقد نبذ العهد مع إنه مؤمن بكتابه.
ابن عرفة : وأكثرهم إما أن يراد به الفريق ، أو هو أعم منه لما كان الفريق يصدق على القليل والكثيرين في الأكثر.
قيل لابن عرفة : عدم إيمانهم هو نفس نقضهم للعهد ، فلا يصح أن يكون الأكثر غير مؤمنين ، والأقل ناقضين للعهد ، فقال : بل يصح الآن هؤلاء اليهود منهم من هو متبع لكتابه ، ومنهم من هو مخالف له ، قال ابن الخطيب : وقيل : المراد بنبذ العهد عدم إيمانهم بالقرآن ، قال : وهذا مردود بأن مادته تقتضي تمسكهم به قبل ذلك مع أنهم لم يكونوا قط متمسكين بالقرآن ، وأجاب ابن عرفة : بيانهم قائلين للتمسك به لو كانوا قبل البعثة متمسكين به لأن كتابهم أخبر به وهو على وعده بدليل إن مات منهم قبل ذلك مات مسلما حنفيا.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ).
قال الفخر : يحتمل أن يكون التصديق بموافقته لما في التوراة ، فرده ابن عرفة : بأن التصديق هو نسبة الخبر إلى الصدق ، فهو من عوارض الخبر والتصديق بالصفة مجاز لا حقيقة ، وإنما ينسب لصفة الصدق لا التصديق.
قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ).