هام بين قريظة من اليهود ، وبين المشركين حتى انصدع الشمل وتفرق الجمع. وأرسل الله ريحا سموما كفأت قدورهم ، وقلعت خيامهم ، وأصابهم منها قر ومطر شديدان عقد القوم عزمهم على الرحيل فرجعوا غير آسفين.
وهذا أبو سفيان يقول : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ؛ قد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإنى مرتحل. وارتحل ..
وطلع النهار وإذا المدينة خالية من معسكر الأحزاب وقد فك الحصار ، ورجعت الطمأنينة إلى النفوس ، ونجح المسلمون في الاختبار بعد أن زلزلوا زلزالا شديدا.
أما موقف اليهود من المسلمين فهذا ملخصه :
لما سمعوا من النبي صلىاللهعليهوسلم الوعد بكنوز كسرى وقيصر عند اشتداد المعركة قال طعمة بن أبيرق ، ومعتب بن قشير وجماعة من اليهود والمنافقين : كيف يعدنا هذا ، ولا يستطيع أحد منا أن يتبرز؟! وانظر إلى فظاعتهم حيث يقولون : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا!! وفارقوا محمدا فإنه هالك ، وإن أبا سفيان إن ظفر بكم لم يبق منكم أحدا فارجعوا إلى منازلكم ، واهربوا من جند محمد ، وما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبى سفيان ومن معه؟! وفي رواية أن الذي قال هذا هم اليهود ، قالوه لزعيم المنافقين عبد الله بن أبىّ بن سلول.
ومنهم من استأذن من النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا : إن بيوتنا عرضة للهجوم عليها وسرقة ما فيها ، وفي الواقع ليست بيوتهم عورة وإنما هم كاذبون ، وما يريدون إلا فرارا من القتال ، وهربا من الميدان.
ولو انتهكت حرمة المدينة من جوانبها ثم طلب إليهم الفتنة والقيام بطعن المسلمين من الخلف لفعلوا كل هذا ، وما انتظروا إلا قليلا (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) [سورة التوبة آية ٤٧].
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل أنهم لا يولون الأدبار ، ولا يفرون من القتال وأنهم سيقاتلون مع النبي بإخلاص وعاهدوا الله على ذلك ، ولكنهم لا عهد لهم ولا ذمة ، وكان عهد الله مسئولا ..