عليها ، وكانت
هاتان السورتان ـ المزمل والمدثر ـ من أوائل القرآن نزولا ، ويروى أن الوحى لما
نزل على النبي للمرة الثانية وجده متزملا في قطيفة فقال له : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ
اللَّيْلَ) وجاءه مرة أخرى وكان متدثرا فقال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ
فَأَنْذِرْ).
المعنى :
يا أيها المزمل ـ
المتلفف بكساء وقد اضطجع في ركن داره ـ قم الليل إلا قليلا منه وهو نصفه أو انقص منه قليلا بحيث يزيد على الثلث ، أو زد عليه قليلا
بحيث لا يزيد على الثلثين ، فالنبي ـ عليهالسلام ـ أمر بأن يقوم من
الليل ساعات تتراوح بين الثلث والثلثين ، وهو التهجد (وَمِنَ اللَّيْلِ
فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [سورة الإسراء آية
٧٩].
يا أيها المزمل :
دع ما أنت فيه وانشط لقيام الليل والصلاة فيه ، وقراءة القرآن وترتيله وتدبر
معناه.
هذا خطاب للنبي
ويدخل معه في ذلك أمته وخاصة أصحاب الدعوات والمبادئ والأفكار ، والشارع الأعظم
يقصد بهذه الإرشادات والتوجيهات التربية الإسلامية الكاملة ، تربية الجسم وتعويده
على تحمل المشاق والمكاره ، وتربية النفس بسموها وبعدها عن شوائب المادة وقوتها
بحيث تحكم على الجسم ونوازع الشر فيه ، إذ لا شك أن قيام الليل شاق على النفس لكنه
يؤدبها ويهذبها ، ويعودها الصبر ، وهو كذلك مما يقوى الأجسام ويساعدها على العمل
والثبات في معترك الحياة.
والنبي ـ عليهالسلام ـ تنتظره في دعوته
مشاق ومتاعب وتكاليف ، ودرعه الواقي في ذلك هو تعويد جسمه على تحمل المشاق ،
وتقوية روحه بالعمل الصالح وتلاوة القرآن ، يا ليت قومي يعلمون ذلك فيعملون على
تحقيقه ، ويفرحون لإرادة الله ذلك لهم.
__________________