وروى البخاري أن اليهود أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : السام عليك ـ أى : الموت عليك ـ قالت عائشة : ففهمتها. فقلت : عليكم السام ولعنكم الله ، وغضب عليكم ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : مهلا يا عائشة ، عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش ، قالت : أو لم تسمع ما قالوا؟ قال : أو لم تسمعي ما قلت ورددت عليهم؟ فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم ؛ وفي رواية أخرى : فأنزل الله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ).
المعنى :
إن أمر هؤلاء الذين يؤمرون بترك شيء ، وينهون عنه ثم يعودون إليه ـ إن أمر هؤلاء ـ لعجيب. ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى من المنافقين واليهود؟! حينما شكاهم المسلمون للنبي صلىاللهعليهوسلم فنهاهم عن ذلك ، فعادوا لمثل فعلهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ؟!) (١) ، ومع ذلك فهم يتناجون بما هو إثم عند أنفسهم ، ووبال عليهم لأن ضرره عائد لهم ، وبما هو عدوان على المؤمنين ، وبما هو تواص بمخالفة الرسول صلىاللهعليهوسلم انظر إلى هؤلاء أيها المسلم ، واحذر أن تكون ممن يتناجى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول التي هي رمز لانتهاك القانون العام.
ولقد جر ذكر بعض صفاتهم إلى ذكر صفة أخرى ، تدل على سوء القصد ، وخبث النية ، فهؤلاء المنافقون واليهود كان يأتى بعضهم إلى النبي ، ويحييه بتحية لم يشرعها الله ، ولم يأذن بها ، وهي قولهم : السام عليك ، يريدون الدعاء عليه بالموت والهلاك ، فكان النبي صلىاللهعليهوسلم يرد عليهم قائلا : وعليكم. ويا ليتهم وقفوا عند هذا الحد ، بل يقولون في أنفسهم : هلا يعذبنا الله بما نقول! والمراد لو كان محمد نبيا لعذبنا الله بسبب قولنا هذا. والله يرد عليهم بقوله الفصل : حسبهم جهنم وكفى! يدخلونها ، ويصطلون بنارها ، فبئس المصير مصيرهم.
__________________
١ ـ الاستفهام في الآية للإنكار والتعجب ، والتعبير بالمضارع في (يعودون) للدلالة على تكرار عودتهم وتجددها واستحضار صورتها العجيبة.