المعنى :
وكنتم ـ والخطاب لأمة النبي صلىاللهعليهوسلم والأمم السابقة من باب التغليب ـ أصنافا ثلاثة : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والسابقون ، فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة (١) نعم هم في غاية حسن الحال ، كما أن أصحاب المشأمة في نهاية سوء الحال ، والسابقون السابقون أولئك ـ والإشارة لبعد مركزهم وعلو مكانتهم ـ المقربون (٢) في جنات النعيم بمعنى السابقون هم الذين سبقوا في الإيمان غيرهم وسارعوا إلى عمل الصالحات ، وكأن سائلا سأل وقال : وما جزاء هؤلاء؟؟ فأجيب : أولئك المقربون من الحضرة القدسية المتمتعون بالرضا السامي في جنات النعيم.
هم جماعة كثيرة من الأمم السابقة وقليل من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ممن جاءوا أخيرا ، فالقلة والكثرة راجعة إلى العدد ، هم جميعا في الجنة حالة كونهم على سرر منسوجة بالذهب نسجا محكما ، حالة كونهم متكئين عليها ، متقابلين فوجوههم متقابلة ، وهكذا الأدب العالي ، وقلوبهم صافية نقية ، ولذا تراهم متقابلين يطوف عليهم في الجنة ولدان مخلدون لا يعتريهم هرم ولا ضعف بل هم دائما في طراوة الشباب ورقته ونشاطه ، يطوفون عليهم بأكواب من فضة وأباريق من ذهب ، ويطوفون بخمر جارية من العيون فلا تنقطع ، ظاهرة للعيون ، فليست كخمر الدنيا التي تعصر وتحجز ، ولا يصيبهم بسببها صداع ولا ألم ، ولا يتفرقون عنها بسبب من الأسباب ، ولا هم عنها ينزفون ، أى : لا تذهب عقولهم ، ولا تبيد أموالهم ، ولا تهدم صحتهم ، ولا تضيع كرامتهم ، خمر الجنة ، وكفى أنها من صنع الخلاق الحكيم!
ويطوفون عليهم بفاكهة كثيرة يأخذون منها ما يختارون ، وبلحم من جميع الأشكال والأنواع يأكلون منه ما يشتهون ، ولعلك معى في أن تقديم الفاكهة على اللحم مما يدعو إليه الطب.
__________________
١ ـ أصحاب الميمنة مبتدأ ، والاستفهام للتعجب مبتدأ ثان ، وأصحاب الميمنة خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأول.
٢ ـ أحسن الأعاريب أن (السابقون) مبتدأ و (السابقون) الثانية خبر ـ من باب شعري شعري ـ وفي هذا تفخيم لشأنهم ، وجملة (أولئك المقربون) مبتدأ وخبر ، واقعة استئنافا بيانيا.