فيما وقعوا باتباع هواها ، ويصح أن يكون المعنى أنهم يمقت بعضهم بعضا ، الأتباع والمتبوعين (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (١) يكفر بعضكم ببعض ويعلن بعضكم بعضا فيقال لكم عند ذلك رءوس الأشهاد : لمقت الله أنفسكم الأمارة بالسوء إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أشد من مقتكم أنفسكم ، أو المعنى لمقت الله أنفسكم في الدنيا إذ (٢) تدعون من جهة الأنبياء إلى الإيمان فتأبون قبوله فتكفرون اتباعا لأنفسكم ومسارعة في هواها أو اقتداء بأخلائكم المضللين ، لمقت الله هذا أكبر من مقتكم أنفسكم أو أكبر من مقت بعضكم لبعض.
هؤلاء الكفار حينما يشتد بهم العذاب ، ولا يطيقون الصبر يقولون : ربنا أمتنا اثنتين أى : موتتين ، الأولى قبل الحياة ، والثانية في الدنيا ، وأحييتنا اثنتين ، الأولى في الدنيا والثانية يوم القيامة ، فاعترفنا بذنوبنا وآثامنا ، وبدا لنا سيئات ما عملنا ، فارجعنا نعمل صالحا في حياة ثالثة فإنا أدركنا خطأنا وتبين لنا صدق الرسل ـ عليهمالسلام ـ وأصبحنا موقنين بذلك ، فهل إلى خروج من سبيل (٣)؟ لا .. فإنهم «لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه» ، ذلكم العذاب الدائم المستمر الذي هم فيه بسبب أنه إذا دعى الله وحده كفروا باستمرار ، وإن يشرك به يؤمنوا على أن له شريكا ، وحيث كان الأمر كذلك فالحكم لله العلى الكبير.
هو الذي يريكم أيها الناس آياته الكونية وآياته القرآنية الشاهدة له بالوحدانية والقدرة والاتصاف بكل كمال والتنزه عن كل نقص ، وهو الذي ينزل لكم من السماء رزقا ، ترى أن الله ـ سبحانه ـ جمع في الآية نعمه التي تحيى الأديان والتي تحيى الأبدان ، وتقوى الروح والأجسام ، ولا يتذكر بهذا ، ولا يتعظ إلا من ينيب.
وإذا كان الأمر كذلك فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، هو رفيع الدرجات ، عظيم الصفات ، رافع درجات المؤمنين ، ذو العرش وصاحب الملك وكامل التصرف لا إله إلا هو ، يلقى الروح على من يشاء من عباده ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، فهو الذي ينزل الوحى على الأنبياء ، لينذروا الناس يوم التلاقي ، واجتماع الخلق
__________________
١ ـ سورة الزخرف آية ٦٧.
٢ ـ إذ تدعون إذ ظرف لمقت الأول وإن توسط بينهما الخبر ، واللام في لمقت لام الابتداء وقعت بعد ينادون لأنها في معنى يقول لهم.
٣ ـ هذا استفهام مراد به التمني لأنهم يعلمون أنهم لا يخرجون.