المعنى :
إنما يتذكر القرآن
، ويتعظ بالمواعظ الإلهية أولو العقول الصافية من المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب ،
والذين شرح الله صدورهم للإسلام ، وهل هؤلاء الناس كمن انحرف عن الحق ، وضل عن
سواء القصد؟ .. ليس كل الناس سواء ، فمن شرح الله صدره للإسلام ، وخلقه مستعدا
لقبول الحق فبقى على فطرته السليمة (فِطْرَتَ اللهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فهو بسبب هذا متمكن من نور الحق مستقر على هدى الله ، أفمن
شرح الله صدره ـ كما ذكرنا ـ كمن قسا قلبه ، وضاق صدره وغير فطرة الله بسوء اختياره
وإعراضه عن آيات الله حتى لا يتذكر بها؟؟ لا يمكن أن يسوى هذا بذاك.
فويل شديد لمن قسا
قلبه ، وضاق صدره من أجل ذكر الله ، الويل ثم الويل لهؤلاء الكفرة الذين إذا ذكر
الله وحده أو تليت آية من آياته اشمأزت قلوبهم من أجل ذلك أولئك البعيدون في درجات
جهنم في ضلال بيّن ظاهر.
عجبا لهؤلاء!!
الله نزل أحسن الحديث ، وهو القرآن الكريم ، ولا شك أنه أحسن ما تحدث به الإنسان ؛
لأنه حديث الرحمن ، وهو ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد ، وعزيز عليهم ، وهل هناك أصدق من الله حديثا؟.
وروى عن سعد بن
أبى وقاص أنه قال : قال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو حدثتنا؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) فقالوا : لو قصصت علينا؟ فنزل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
الْقَصَصِ) فقالوا : لو ذكرتنا؟ فنزل : (أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) فالله نزل على محمد أحسن الحديث وأكمله وأعلاه ، وما أروعه
وأصدقه (أَفَمِنْ هذَا
الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ)؟ (فَذَرْنِي وَمَنْ
يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ).
الله نزل أحسن
الحديث حالة كونه كتابا موصوفا بصفات هي التشابه ، والمعنى أنه كتاب متشابه
الأعجاز والأطراف ، متشابه في المعنى والغرض ، والصحة ودقة الحكم ، وتتبع منافع
الناس ، فهو كما قالت الأعرابية في بنيها : هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين
طرفاها. فالقرآن كذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ كله حسن وجميل وبليغ ودقيق ، وكله من
عند الله وكفى.