السابقة لما كذبوا وكفروا؟! ألم يروا أنهم بعد الهلاك إليهم لا يرجعون أبدا؟ وما كلهم إلا محشورون (١) ومجموعون ، ولدينا للحساب يوم القيامة محضرون ، فهل يتعظون ويعتبرون؟ ويعلمون أن الله على كل شيء قدير ، وأنه يجازى كل كفور ، وهذا تهديد لهم.
والأرض الميتة التي لا نبات فيها ولا حركة ، آية شاهدة ناطقة لهم على قدرة الله ، وعلى أنه القادر على إحياء الخلائق بعد موتها ، والأرض الميتة أحياها ربك بالنبات والخضرة ، وأخرج منها حبا كالحنطة وغيرها ، فمنه يأكلون ويعيشون ، وجعل فيها جنات من نخيل وأعناب ، وفجر فيها من العيون ليأكلوا بعد هذا من ثمره الذي تفضل به علينا ، وليأكلوا مما عملته أيديهم من أصناف المأكولات الجافة والمحفوظة والطازجة مما نراه ونشاهده أفلا يشكرون الله؟! سبحان الله! ما أعظم فضله وأجل نعمه! سبحانه وتعالى عما يشركون ، تنزه سبحانه عما لا يليق به مما فعلوه وتركوه ، وهذا أيضا تعليم للمؤمنين وإرشاد لهم ليقولوا : سبحان الله معتقدين مصدقين بهذا التنزيه الإلهى.
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض من النبات وغيره ، مما عملته أيديهم ، ومما لا يعلمون ، فهو لله سبحانه وتعالى نعم سبحانه خالق هذه الأصناف كلها مما لا يحيط به إلا هو ؛ فكل ما في الكون لا يعلمه إلا خالقه سبحانه وتعالى ..
وهذا الليل وما فيه آية لهم لو كانوا يعقلون ، فهذا الظلام الشامل بعد النور الساطع ، وهذا السكون والهدوء بعد الجلبة والضجيج ، وتلك الكواكب السيارة والأفلاك الدوارة كل ذلك آية على وجود الخبير البصير الذي يسير العالم على وفق نظام محكم دقيق لا يختل أبدا.
وآية عظيمة لهم الليل ، نسلخ (٢) منه النهار ، ونزيل ضوءه عنه ، ونكشفه عن الليل فيبدو الليل بسكونه وظلامه كالشاة بعد السلخ ، فإذا سلخ بك النهار عن الليل فإذا هم
__________________
(١) «وإن كل لما جميع» في مثل هذا إعرابان يرجعان إلى قراءة لما مخففة ومشددة ، فعلى قراءة التشديد إن نافية ولما بمعنى إلا ، وعلى قراءة التخفيف إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشان وكل مبتدأ واللام هي الفارقة ، وما زائدة صلة وجميع خبر ، ولدينا ظرف متعلق به ، ومحضرون خبر ثان.
(٢) وفي قوله (نسلخ) استعارة تبعية حيث استعار السلخ لكشف الضوء من مكان الليل ، والجامع ما يعقل من ترتب أمر على أمر فإنه يترتب ظهور اللحم وظهور الظلمة.