وإذا كان الله يعامل الذي يتبع الشيطان والهوى هكذا فعليه أيها الرسول ألا تهتم بأمرهم ، وألا تعنى بشأنهم ، وألا تحزن من أجلهم ، وألا تتحسر عليهم حتى تذهب نفسك وتهلكها عليهم متحسرا على عدم إيمانهم وطاعتهم .. إن الله عليم بما يصنعون وسيجازيهم على ذلك كله يوم القيامة.
وهاك دليلا حسيا على إمكان البعث وأنه تحت قدرة الله : والله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا وتحركه فيتحرك إلى حيث شاء الله ، أى : فساقه الله إلى بلد ميت لا نبات به ولا زرع فأحيا الله به تكل الأرض حتى أصبحت ذات زرع وشجر بعد أن كانت قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، أى : صحراء جرداء لا شيء فيها ، مثل ذلك ـ أى : إحياء الأرض بالخضر بعد موتها ـ نشر الأموات وإحياؤها للبعث والثواب والعقاب.
عن أبى رزين العقيلي قال : قلت : يا رسول الله : كيف يحيى الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال : «أما مررت بوادي أهلك ممحلا ثمّ مررت به يهتزّ خضرا؟» قال : نعم يا رسول الله : قال : «فكذلك يحيى الله الموتى وتلك آيته في خلقه».
كان المشركون يعبدون الأصنام يطلبون بها العزة (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [سورة مريم آية ٨١].
فبين الله أن العزة لله ولأوليائه ، ومن كان يريد العزة فلله العزة جميعا ، من كان يريد العزة والجاه فليطلبهما عند الله فإنهما لله وحده ولرسوله وللمؤمنين.
العزة ـ أيها الناس ـ لله ولرسوله وللمؤمنين ، وليست لمصر أو الشام أو غير هما؟ العزة لله يعز بها من يشاء ويذل بها من يشاء ، فمن أراد عز الدارين فليطع الله العزيز الحكيم.
ثم بين الله أن ما يطلب به العزة في الدنيا والآخرة هو الإيمان والعمل الصالح ، إليه يصعد الكلم الطيب ، وصعوده : قبوله وعلمه والمجازاة عليه : والكلم الطيب : كل كلام يتصف بأنه طيب كذكر الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتعليم الخير والحث عليه ، وتعليم النافع في الدنيا والآخرة.