ثم تتفكروا ما
بصاحبكم؟! هل جربتم عليه كذبا؟ لا : إنه الصادق ، هل جربتم عليه خيانة؟ .. لا. إنه
الأمين ، هل رأيتم فيه ميلا إلى الدنيا حتى يقال إنه يطلب المال أو الملك؟ لا :
إنه العفيف عن الدنيا وأهلها ، هل رأيتم عليه فسادا أو تحللا أو نشوزا أو سوء خلق؟
لا : بل هو الرجل الحكيم المتزن في كل أفعاله ، تفكروا في رسالته هل يدعوكم إلى
فسق أو فجور أو يدعوكم إلى حق ونور وعلم وعرفان؟ هل يدعوكم إلى أسر التقليد ، وحمى
الجاهلية وسوء العمل أو يدعوكم إلى الحرية المنظمة وإلى الحضارة المقدسة وإلى
العلم النافع ، وإلى تكوين المجتمع الصالح ، وخلق الفرد الكامل الذي يسعى لخير
الدنيا والآخرة؟!
نعم إنه يدعو إلى
بناء الفرد والمجتمع والدولة ، ويحارب الرذيلة ، والاستبداد ويمنع جور الحكام وظلم
الأقوياء والأغنياء ، إنه يدعو إلى نصرة الفقير ، وإعانة المظلوم ، وإغاثة الملهوف
، إنه نذير بين يدي عذاب شديد.
إنه يدعو إلى كل
خير ، ويحرم كل شر فتفكروا بصائركم عسى أن يهديكم ربكم إلى الحق ونوره.
قل يا محمد لهم :
لست رجلا طالبا للدنيا وعرضها ، ولست أبغى من دعوتي أجرا ولا مالا ولا جاها ولا
سلطانا ، إن أجرى إلا على الله ، وهو على كل شيء شهيد.
قل لهم تطمينا
لقلوب المؤمنين أتباعك ، وتثبيتا لهم على دعوتك ، وتهديدا للمخالفين : إن ربي يقذف
بالحق ليدمغ الباطل ، وهو علام الغيوب ، ولله ما أقوى هذا التعبير جعل الحق
كالقنبلة التي تقذف من حكيم عليم بارع يعلم خفايا مهنته أتراها لا تصيب الهدف؟
فصبرا أيها المسلمون ثم صبرا ، قل : جاء الحق ، وزهق الباطل ، وما يبدئ الباطل وما
يعيد؟ إنه لا ثبات له ولا قرار ، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث
في الأرض.
قل لهم يا محمد :
إنه ضللت فإنما أضل على نفسي لأنها هي التي أمرتنى بالسوء ، وإن اهتديت فبسبب ما
يوحى إلى من ربي إنه سميع قريب.
ومن هنا نعلم أن
طريق الضلال هو النفس الأمارة بالسوء ، وما يحيط بها من مجتمع فاسد موبوء ، وأن
الهداية والخير ، والنور والفلاح من طريق الوحى والقرآن .. ألم يأن