والمرادُ بإرادةِ تَحَمُّلِ الإثمِ : تَحَمُّلُ عُقوبتِه ؛ لأنّ المظلوم يُريدُ عقاب الظَّالم ، فلا يَرِدُ كيف جاز أن يريدَ معصيةَ أخيه وكونَه في النَّار؟!
( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ) (١) اتَّخَذوا المدينة والإيمانَ مباءَةً وتمكَّنوا فيهما أشَدَّ تَمَكُّنٍ ؛ على تنزيل الحال منزِلةَ المكان ، أو ضُمِّنَ التَّبَوُّءُ معنى اللُّزومِ ، أو تَبَوَّءُوا الدّارَ وأخلصوا الإيمانَ ؛ على حَدِّ :
عَلَفْتُها تِبناً وماءً بارداً (٢)
أو تَبَوَّءُوا دارَ الهجرة ودارَ الإيمان ؛ فحُذف المضاف من الثَّاني والمضاف إليه من الأوّل وعُوِّضَ عنه اللاَّم ، أو سَمَّى المدينة بالإيمان لأنّها مظهرُه ومصيرُه.
( لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ) (٣) نُنزِلُهُم فيها منزلة حسنة ، أو حالةً حسنةً يتمكّنون فيها تَمَكُّنَهُم من مَباءَتِهِم.
( مُبَوَّأَ صِدْقٍ ) (٤) اسمُ مكان ، أو مصدرٌ ؛ وإضافتُه إلى الصِّدق للمدح كما يأتي في « ص د ق » (٥).
الأثر
( مَنْ كَذَبَ عليَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ ) (٦) ليَنْزِلَ منزلَه منها. والأمرُ
__________________
(١) الحشر : ٩.
(٢) الشطر في معاني القرآن للفرّاء « ١ : ١٤ » منسوباً لبعض بني أسد يصف فرسه ، وعجزه :
حتى شتتْ همّالة عيناها
وقال البغداديّ في خزانة الأدب « ١ : ٤٩٩ » : وأورد له العلامة الشّيرازيّ والفاضل اليمنيّ صدراً وجعل المذكور عجزاً هكذا :
لما حططت الرحل عنها واردا |
|
علفتها تبناً وماءً بارداً |
(٣) النّحل : ٤١.
(٤) يونس : ٩٣.
(٥) لأنّ عادة العرب أنها اذا مدحَتْ شيئاً أضافته الى الصّدق ؛ تقول : رجل صدق ، وقدم صدق.
« تفسير الفخر الرّازيّ ١٧ : ١٥٨ ».
(٦) الفقيه ٤ : ٢٦٤ / ٨٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣ / ٣٠.