والإقرار ، لكنه جعل الجبال سبب إثبات الأرض وإقرارها ؛ تعليما منه الخلق
تعليق الأشياء بعضها ببعض ، وتعليقها بالأسباب من غير أن يكون الأسباب معونة له
على ذلك ، ولو شاء أثبتها وأرساها بلا سبب ولا شيء علقه به ، لكنه علق الأشياء
بالأشياء والأسباب ، لما ذكرنا من تعليم الخلق تعليق الأشياء بالأسباب .
وقوله : (وَبارَكَ فِيها).
يحتمل (وَبارَكَ فِيها) أي : في الجبال ، فقد جعل الله فيها البركات الكثيرة :
منها المياه التي أخرجت منها والعيون ، ومنها الذهب والفضة وغيرهما ، ومنها الثمار
والأشجار التي ينتفع بها وأنواع النبات التي تصلح للأدوية ، وغير ذلك من المنافع
التي يكثر عدها وإحصاؤها.
ويحتمل قوله : (وَبارَكَ فِيها) أي : في الأرض ، فقد جعل الله تعالى في الأرض البركات
والخيرات من المياه التي تخرج منها وأنواع النبات والثمار وغير ذلك مما به قوام
الخلق جميعا وغذاؤهم من البشر والدواب ، والله أعلم.
والبركة : هي
اسم كل خير يكون أبدا على الزيادة والنماء.
وقوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ).
أي : قدر في
الأرض أقوات أهلها وأرزاقهم في أربعة أيام سواء للسائلين.
قال الزجاج في
قوله : (سَواءً
لِلسَّائِلِينَ) ثلاث لغات : النصب والرفع والخفض.
فمن خفضه : (سَواءً) صيره صفة ونعتا للأيام ، كأنه قال : في أربعة أيام سواء
، أي : مستويات ليس بعضها أطول من بعض.
ومن قرأ بالنصب
: سواء صيره مصدرا ، أي : سواء وتسوية.
ومن قرأ بالرفع
صيره على الابتداء ، يقول ـ والله أعلم ـ : أي ذلك الأقوات التي قدرها سواء
للمحتاجين ، أي : كفاية لهم على قدر حاجتهم.
ثم اختلف في
قوله : (سَواءً
لِلسَّائِلِينَ) :
عن ابن عباس ـ رضي
الله عنه ـ قال : «من سأل عن ذلك وحده كما قال الله تعالى ، ويقول ابن عباس ـ رضي
الله عنه ـ : وأنا من السائلين» فكأن قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ما ذكرنا ،
أي : كفاية للسائلين المحتاجين على السواء.
وقال بعضهم :
عدلا للسائلين ، والعدل يخرج على وجهين :
__________________