وإذا كانت غير مدخول بها وقعت الفرقة للحال.
وقال أصحابنا : إذا كانا في دار الحرب ، فأسلم أحدهما ـ لم تقع الفرقة حتى تحيض ثلاثا ، وإذا كانا في دار الإسلام ذميين ، فأسلم أحدهما ـ لم تقع الفرقة حتى يعرض السلطان الإسلام على الآخر ، فإذا عرض عليه الإسلام وأبى ، يفرق بينهما.
فأما بشر : احتج بظاهر قوله ـ تعالى ـ : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ...) إلى قوله : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) ؛ فقد أخبر أنه لا يحل واحد منهما لصاحبه ، ولم يذكر شيئا آخر ؛ فلا يقرن به شيء آخر.
وأما أصحابنا ـ رحمهمالله ـ فإنهم احتجوا ، وقالوا : إن الفرقة لا تقع بنفس الإسلام بقوله : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) [إذا] كانت الفرقة واقعة بمجرد الإيمان لم يكن للامتحان معنى ، فلما لم يذكر الحرمة إلا بالامتحان ثبت أن الفرقة لا تقع بمجرد الإيمان.
ويجوز أن يكون مثال هذا قوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور : ٣] ، ثم قال : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) [النور : ٤] ؛ فلو كان الزنا يوجب الحرمة لم يكن هو راميا للزوجة ؛ بل إذا قال لها : زنيت ؛ فكأنه قال : لم يكن بيني وبيك نكاح ، ولما ثبت رمي الزوجات بقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) [النور : ٤] ثبت أن الزنى لا يوجب حرمتها عليه ؛ فكذلك الإيمان بمجرده لو كان يحرمها على الأزواج لم يكن للأمر بالامتحان معنى ، فلما أمر بالامتحان على إيمانها ، بعد أن أظهرت في نفسها الإيمان ، ثبت أن الحرمة [لا] تقع بنفس الإيمان حتى ينضم إليه شيء آخر ، وتبين أن العمل بظاهر الآية غير ممكن ؛ إذ لا يجري على إطلاقها ، والله أعلم.
ودليل ذلك أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أولى بتجديد النكاح ؛ ثبت أن الفرقة لا تقع بمجرد الإسلام ، والله أعلم.
والوجه فيه ما روي عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ على اختلاف الأسباب باختلاف الدارين ونحوه : روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : أنهما على النكاح حتى تحيض المرأة ثلاث حيض إذا كانا في دار الحرب.
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ : أنهما على النكاح بينهما إلى الهجرة.
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ : أنهما إذا كانا في دار الإسلام ، فأسلم أحدهما فهما على النكاح حتى يعرض السلطان الإسلام على الآخر.
فهؤلاء قد ثبت عنهم أن الفرقة لا تقع بنفس الإسلام إلا أن يضامه شيء آخر ، ولم