كان يؤخذ به من كان من جنسه على ما ذكرنا نظائره فيما تقدم ؛ ولذلك قال أصحابنا : إن أهل الإسلام يأخذون من تجار أهل الحرب مجازاة لما يأخذه أهل الحرب من تجار المسلمين ، وإنما يؤخذ ذلك ممن كان من جنسه ، وأن ذلك غير الذي أخذ منه ؛ وعلى ذلك نقول : إن المحنة قد يجوز أن تستوي على البر والفاجر وأن ما ينزل بالآدمي من المحن يجوز ألا يكون جزاء ؛ لما تعاطى من الذنوب والسيئات ؛ لأن لله ـ تعالى ـ أن يمتحن عبده في هذه الدنيا مبتدأ ، وأما في الآخرة فلا يؤاخذ فيها أحد بذنب آخر ، بل يجزي كل بعمله : إن شرا فشر ، وإن خيرا فخير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
يقول : لا إثم عليكم ـ يعني : المسلمين ـ أن تتزوجوهن (إذا آتيتموهن مهورهن).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسلمت قبل زوجها ، ثم أسلم بعد ذلك زوجها ، فردها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنكاح الأول قبل أن ينزل : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ، فلما نزلت كان إذا أسلم الزوج ، وخرج إلى دار الإسلام انقطعت [الصلة] بالإسلام بينه وبين امرأته ، وكذلك المرأة إذا خرجت وبقي الزوج.
ثم قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ، قال بعضهم : أي : بعقد الكوافر ، فمن كانت له امرأة بمكة كافرة فلا يقيدن بالمرأة الكافرة ؛ فإنها ليست بامرأة له ، وقد انقطعت العصمة بينهما.
وقال بعضهم : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) : حظر علينا الامتناع والكف والإمساك من نكاح المهاجرة لأجل زوجها الحربي. وعصمت والعصمة : المنع ، والكوافر يجوز أن يتناول الرجال ، وظاهره في هذا الموضع للرجال ؛ لأنه في ذكر المهاجرات ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا).
يقول : إذا لحقت امرأة المسلم بكفار مكة فاسألوا مهرها من أهل مكة ، وردوا إلى زوجها ، (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) ، يقول : إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليكم فردوا على زوجها المشرك ما أعطاها من المهر ؛ وذلك من أجل العهد الذي كان بين أهل مكة وبين النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ). يقول : هذا هو حكم الله بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة في أن يرد بعضهم على بعض النفقة ، أي : المهر.
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).