خبر أنه قال : «أما هذا فنعم» ، وفي حديث آخر : «لا إلا أن تعينني» ؛ فيشبه أن يكون هذا القول منه : «أما هذا فنعم» بعد ما وعده رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الإعانة أو بإعطاء الوسق ؛ فتكون الأخبار على الوفاق ، والله أعلم.
وفي هذه الأخبار دليل على أن الكفارة إذا لزم فيها طعام ، فمن الحنطة نصف صاع ؛ لأنه جعل نصف صاع من الحنطة طعام مسكين ، وأنه يجوز من صدقة الفطر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) ، قرئ (يَظْهَرُونَ) مشددة الظاء بغير ألف ، وهو في الأصل «يتظاهر» فأدغمت التاء في الظاء وشددت.
وقرئ ـ أيضا ـ (يَظْهَرُونَ) ، بتخفيف الظاء بألف من : ظاهر يظاهر مظاهرة.
والمعنى واحد فيما اختلف من قراءاتهم يقال : ظاهر الرجل من امرأته ، وتظاهر وتظهر منها بمعنى واحد ، وهو أن يقول لها : «أنت علي كظهر أمي».
وقال القتبي : (يَظْهَرُونَ) ، أي : يحرمون تحريم ظهور الأمهات.
وقال أبو عوسجة : (يَظْهَرُونَ) هذه يمين أن يقول الرجل لامرأته : «أنت علي كظهر أمي» ، وأما «يظّاهرون» من «التظاهر» وهو التعاون ، يقال : تظاهروا ، أي : تعاونوا ، ولكن هو خلاف ما تضمنته الآية والله أعلم.
ثم الظهار كان عند أولئك القوم ظاهرا ، وهو ما روينا في قصة امرأة أوس لما همت أن تخرج من الدار ، قال لها : «إن خرجت من الدار ، فأنت علي كظهر أمي» ، وكذلك هذه الدلالة في قوله : (يَظْهَرُونَ).
والظهار أخذ اسمه من «الظهر» ، وكذلك فيما عرف المسلمون فيما بينهم هذا اللفظ ، وهو قوله : «أنت علي كظهر أمي» ، والآية توجب أن يكون الظهار فيما يقول : «أنت علي كأمي» ، وهو قوله : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) ، ذكر الأمهات ، ولم يذكر ظهور الأمهات ؛ فصار ظاهر الآية يوجب هذا.
وبهذا احتج محمد ـ رحمهالله ـ لمذهبه فيمن قال لامرأته : «أنت علي كأمي» ، قال : يكون ظهارا.
وأما أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ فإنه قال : لا يكون مظاهرا ، إلا أن ينوي بذلك الحرمة ، فإن نوى به كان ، وذهب في ذلك إلى ما روي من ذلك الحرف ـ أعني : قوله : أنت علي كظهر أمي ـ وإنما نزلت الآية فيمن قال ذلك القول ، فلا يحل لنا أن نصرفه إلى غيره إلا بدليل.