والثاني : قوله : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً ...) ليس على الإنكار والجحود ، ولكن لما رأوا أن عبادتهم الأصنام لم تنفعهم يومئذ ولم تغنهم عما نزل بهم فقالوا عند ذلك : بل لم نكن ندعو شيئا من قبل ، أي : الذي كنا نعبده في الدنيا كان باطلا ، لم يك شيئا ؛ حيث لم ينفعنا ذلك في هذا اليوم.
فإن كان تأويل الآية هذا ، فهذا يدل على أن قوله : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) بعد ما دخلوا النار.
وإن كان تأويله الأول على الإنكار والجحود ، فذلك يدل على [أن] ذلك القول قبل أن يدخلوا النار حين يشهد عليهم الجوارح ، وذلك يقرر قوله : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) ، والله تعالى أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ).
أي : هكذا يضل الله من علم منه اختيار الكفر والضلال يضله ؛ وهو كقوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [التوبة : ١٢٧] ، أي : إذ علم منهم اختيار الانصراف صرفهم ، وكذلك قوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥] أي : إذ علم منهم أنهم يختارون الزيغ أزاغهم ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ).
أي : ذلك جزيتكم من النار بما كنتم تسرون في الدنيا بالباطل ؛ إذ هم كانوا كذلك في الدنيا يفرحون ويسرون على كونهم على الباطل.
وقيل (١) : (تَفْرَحُونَ) أي : تبطرون ، لكن هو على الفرح والرضاء بما اختاروا لأنفسهم.
وقوله : (وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ).
أي : وبما كنتم تتكبرون ، كذلك كانوا يسرون ويرضون بكونهم على الباطل ، وينكرون بذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، والمرح : التكبر ؛ وهو كقوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء : ٣٧] أي : تكبرا.
وقوله : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ ...) الآية.
قد ذكرناه فيما تقدم.
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٠٤٠٥) ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٥ / ٦٧٠).