وكذلك ذكر عن الأصم قال : ذكر الذنوب ، وهو الدلو العظيم الذي كانوا يقتسمون به المياه ، وكان من عادة العرب : أنهم يجمعون فيرسلون دلاءهم في البئر ، فكان كل واحد منهم يأخذ حظه ونصيبه من الماء ، فيقول لأهل مكة : لا تستعجلوا ، ؛ فإن لكم نصيبا من ذلك العذاب كما كان لأولئك ؛ كالدلاء التي تكون في البئر ، فيأخذ كل واحد منهم نصيبه.
وكذلك قال القتبي وأبو عوسجة ـ : الذنوب ـ الحظ والنصيب.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : سمي ذلك العذاب : ذنوبا ؛ لما يتبع بعضهم بعضا ، والله أعلم. فيقول : يتبع العذاب لهؤلاء كما يتبع لأولئك ؛ كالدلاء يتبع بعضها بعضا ، والله أعلم.
وقوله : (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي : قد يبلغون وقته فلا يستعجلون العذاب ، وهو الوقت الذي يسألون الرجوع كما أخبر ـ عزوجل ـ : (رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩].
وقوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) يوم القيامة ، ولكن لم يبين ذلك اليوم ما هو؟ فيحتمل ما قالوا ، ويحتمل غيره ، والويل قد ذكرنا تأويله فيما تقدم.
فإن قيل : كيف خوف الله تعالى هذه الأمة بما أنزل على الأمم الخالية من الاستئصال والإهلاك ، وقد عافى هذه الأمة عن هذا وأمنهم منه؟
قيل : إنما خوفهم بما ذكر ؛ لأن المعنى الذي استوجب أولئك الاستئصال والإهلاك به يحتمل أن يتحقق ذلك في هؤلاء.
وقد يحتمل ألا يكون ، فالتخويف صحيح لهؤلاء بهم ، وإنما يكون مثل هذا التخويف في أول الأمر ، ثم إن الله بفضله ورحمته عفا عنهم بفضل النبي صلىاللهعليهوسلم ورحمته ؛ كقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧].
ويحتمل أن يكون العفو لهم عن ذلك بالتأخير عنهم إلى وقت ، وهو وقت قبض أرواحهم وخروجهم من الدنيا ، وفي ذلك الوقت يعاقبون بأنواع العذاب ، وينزل بهم ما نزل بأولئك ، لا أنهم عفوا عن ذلك أصلا.
ويحتمل أن يكون ينزل بهم ذلك في الآخرة ، وذلك كله فضل منه ورحمة ، والله أعلم بالصواب.
* * *