العبادة لغيره ، وأجاز الطاعة والخدمة ، والتعظيم ، وغير ذلك من الأفعال ؛ كقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] دل أن في العبادة معنى ليس ذلك المعنى في غيره ؛ لذلك وقعت الخصوصية له ؛ ولذلك خص نفسه بتسمية : الإله ، لم يجز التسمية به لغيره ؛ إذ الإله عندهم : معبود ، فكل معبود عندهم يسمونه : إلها ، وذلك كما خص نفسه بتسمية : الرحمن ، لم يجعل ذلك لغيره ، وجاز تسمية غيره : رحيما ؛ لما أن في اسم الرحمن زيادة معنى ليس في الرحيم ، وكذا خص نفسه بتسميته : خالقا ، ولم يجز هذا الاسم لغيره ؛ لما أن في الخالق معنى ، ليس ذلك المعنى في الفاعل وغيره ، فكذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ).
قال عامة أهل التأويل (١) : ما أريد منهم أن يرزقوا أنفسهم ، ولا أن يطعموا أحدا من خلقي ، إنما عليّ رزقهم وإطعامهم ؛ كقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦].
ويحتمل : ما أريد منهم أن يرزقوا من لا يقوم بأسباب الرزق وأن يطعموهم ؛ إذ ذلك عليّ ، وإنما أريد منهم العبادة.
أو الأمر بالعبادة على الوجه الذي ذكرنا ؛ لأنهم لم ينشئوا لأولئك الذين لم يجعل لهم المكاسب وأسباب الرزق من الدواب ؛ بل هن أنشئن لأجلهم رزقا ومتعة ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون على الإضمار ؛ على ما قال بعضهم ، أي : قل يا محمد : ما أريد منكم فيما أدعوكم إليه من أجر ، وما أريد أن تطعمون ؛ فيثقل عليكم الإيمان.
ويحتمل : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) ؛ أخبار أنه لم يخلقهم لحاجة له في خلقهم من الرزق والإطعام منهم ؛ لما أقام من دلالات تبرئه عن الحوائج ، وعن الرزق والطعام ، وإنما خلقهم للأمر ، والنهي ، والامتحان ـ رجعت منافع ذلك إليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ، هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : أن الأسباب والمكاسب التي بها يرزقون ، ويصلون إلى الانتفاع بها ، هي فعل الله تعالى وله فيها صنع ، صار بذلك رازقا ، لو لا ذلك لم يصلوا إلى ذلك ، وإن كان الخلق هم الذين يكسبون ويعملون تلك الأسباب والمكاسب ، فلما أضيف إليه الرزق ؛ لما أنشأ فعل تلك الأسباب والمكاسب منهم ، والله أعلم ؛ فيكون في هذا دليل على أن
__________________
(١) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٢٢٦٩).