والحجج ، ولا خالطوا أهل رحمة ورأفة ، فهؤلاء أقسى قلوبا وأضيق صدورا وأهل المدن والأمصار [ألين قلوبا وأوسع صدورا ، فهم أسرع للإجابة وأولئك أبعد وأبطأ إجابة.
والثاني : أنهم وصفوا بأهل الجهل ما لم يوصف أهل المدن والأمصار](١) بذلك ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يؤمنكم أعرابي» ، وفي بعضها (٢) : «لا يؤمن أعرابي مهاجرا» ، وفي بعض الأخبار (٣) : «من بدا جفا» ؛ وذلك ـ والله أعلم ـ لأنهم كانوا لا يدخلون الأمصار والمدن ليتأدبوا ويتعلموا (٤) الآداب ، فإذا كانوا كذلك فهم أجهل ، والإيمان هو التصديق ، والتصديق إنما يكون بعد العلم ؛ لأنه ما لم يعلم لم يصدق ، فإذا كانوا بالجهل ما وصفنا ، كانوا أشد إنكارا وتكذيبا من غيرهم ، وهو ما ذكر : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) [التوبة : ٩٧] ، وصفهم بالجهل ، وبالجهل يكون التكذيب ، وبالعلم يكون التصديق ، وهو ما ذكرنا. وأجدر وأخلق وأحرى واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ).
قال بعضهم (٥) : هم أقل علما بالسنن.
وقيل (٦) : بالفرائض.
ويقال : الحدود ما بين من طاعة الله ومعصيته.
وأصله : أنهم أهل جهل بجميع الأوامر ، والمناهي ، وجميع الآداب ، وما لا يحل وما يحل.
(وَاللهُ عَلِيمٌ).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه ابن ماجة (١٠٨١) ، وعبد بن حميد (١١٣٦) ، وأبو يعلى (١٨٥٦) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٣ / ١٧١) عن جابر مطولا.
(٣) هذا الحديث روي عن كلّ من :
ـ أبي هريرة أخرجه عنه أحمد في المسند (٢ / ٣٧١ ، ٤٤٠).
ـ البراء بن عازب أخرجه عنه أحمد في المسند (٤ / ٢٩٧).
ـ ابن عباس أخرجه عنه أبو داود في سننه (٢ / ١٢٤) كتاب الصيد باب في اتباع الصيد (٢٨٥٩).
(٤) في ب : ويتعلمون.
(٥) أخرجه ابن جرير (٦ / ٤٥٠) (١٧١٠٧) عن قتادة وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٨١) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
(٦) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٨١) وعزاه لأبي الشيخ عن الضحاك.
وكذا ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ٩٤).