لا يصلحون أبدا ، (إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ).
وتقبلوا (١) منهم ما يظهرون من العذر ، ثم أخبر أنكم إن رضيتم عنهم وقبلتم ما يذكرون من عذرهم فإن الله لا يرضى عنهم ؛ لما يعلم أنه لا عذر لهم فيما يظهرون لكم من العذر ، والله أعلم. ليس على النهي عن إرضاء أولئك ؛ لأن إرضاء الخلق بعضهم لبعض إنما يكون بالحلف ، وما يكون من الظاهر ، ولكن النهي عن ترك الموافقة في الباطن ، وفيه يتحقق رضاء الله.
قوله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٩٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) [يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : طائفة من الأعراب أشد كفرا ونفاقا](٢) وهو أن رسول الله دعا كفار المدينة ومنافقيها ، فأيأس عن إيمانهم بقوله : (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ...) [التوبة : ٩٥] الآية ، فلما أيس عن إيمان هؤلاء ، أقبل نحو طائفة من الأعراب الذين كانوا بقرب المدينة وحواليها ، فأخبر أنهم أشدّ كفرا ونفاقا من أهل المدينة.
ويحتمل أنه أراد الأعراب جملة أنهم أشدّ ـ أي : الكفار منهم وأهل النفاق ـ كفرا ونفاقا من أهل الأمصار والمدائن ، فهو لوجهين :
أحدهما : أن أهل الأمصار والمدن كانوا يسمعون الآيات والحجج ، ويخالطون أهل رحمة ورأفة ، وأهل مودة ، وأما الأعراب وأهل البادية (٣) فكانوا لا يسمعون الآيات
__________________
(١) في أ : وتقبلون.
(٢) سقط في أ.
(٣) البادية : خلاف الحاضرة. قال الليث : البادية اسم للأرض التي لا حضر فيها ، والبادي : هو المقيم في البادية ، ومسكنه المضارب والخيام ، ولا يستقر في موضع معين. والبدو : سكان البادية ، سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم ، أما الأعراب فهم سكان البادية من العرب خاصة. وفي الحديث : «من بدا جفا» أي : من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب.
ولا يختلف استعمال الفقهاء عن ذلك.
ينظر : لسان العرب (بدو) ، والنهاية في غريب الحديث ، ومفردات الراغب الأصبهاني ، والاختيار (٥ / ٨٥) ، وقليوبي وعميرة (٣ / ١٢٥) ، والمغني (٧ / ٥٢٧).