__________________
ـ يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عنى خطاياى؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كيف قلت؟ قال أرأيت : إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياى؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليهالسلام قال لي ذلك» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه.
ووجهت دلالة هذا الحديث على عدم وجوب الجهاد على المدين من جهتين :
الأولى : أن الدين يمنع من تكفير الخطايا ، وهو المقصود من الشهادة في الجهاد فحيث عدمت فائدة الشهادة عدم الوجوب ، وقد يقال في هذا : إن لحوق الإثم من جهة عدم وفاء الدين لا يمنع الغفران ، والتكفير من جهة أخرى ، وهذا القدر يكفي في تحقيق فائدة الشهادة ، ولم يقل أحد ولم يدل دليل على أن فائدتها غفران جميع الذنوب وتكفير كل السيئات.
والثانية : أن الحديث دل على إثمه بالخروج قبل أداء الدين ، فكان حراما ، والحرام لا يصلح سببا في غفران الذنوب وتكفير السيئات ، ويقال أيضا فيه : إن الجهاد وإن حرم من جهة أنه يترتب عليه تعريض الدين للضياع ، ولكنه مثاب عليه من جهة آثاره ، وهي إعلاء كلمة الله ، وتقوية شوكة المؤمنين على أنا لا نسلم حرمته بهذا العارض.
أما إذا كان المدين معسرا فالشافعية والمالكية يجيزون خروجه بدون إذن رب الدين ، والحنفية والحنابلة يمنعون خروجه بدون إذنه.
الأدلة :
استدل الأولون : بأن المدين لا تتوجه إليه المطالبة حالا ولا يجوز للدائن حبسه من أجله فلا يمنع من الغزو ، كما لو لم يكن عليه دين.
واستدل الآخرون : بأن الجهاد مظنة الشهادة ، وبها تفوت النفس فيفوت الحق بفواتها ، ويتوجه عليه أن ما يؤدى إليه هذا الدليل هو الكراهة ؛ لأن الاستشهاد غير مقطوع به ، بل الجهاد كما يكون مظنة الاستشهاد يكون مظنة الغنيمة ، والإعانة على الوفاء.
والراجح المذهب الأول ؛ لأن المدين ما دام معسرا فصاحب الدين مكلف بالإمهال والانتظار ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)[البقرة : ٢٨٠] ، فمنعه من الجهاد حينئذ تضييق عليه بدون مسوغ شرعي ، وحرمان له من الثواب بدون حق.
وإن كان الدين مؤجلا ، فالكلام فيه كالسابق في حالة الإعسار ، إلا أن الحنفية هنا يجيزون للمدين الخروج ، كالشافعية ، والمالكية ، والراجح المذهب الأول كذلك ؛ لأن الدائن ليس له مطالبة المدين إلا في وقت حلول الدين ، أما قبل ذلك فلا يجوز التعرض له ، ولا الحجر عليه في سفره وإقامته.
(٨) إذن الأبوين : يرى جمهور العلماء أنه لا يجوز الخروج للجهاد غير المتعين لمن له أبوان إلا بإذنهما ، وذلك لما رواه أبو داود عن أبي سعيد أن رجلا هاجر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم من اليمن فقال : «هل لك أحد باليمن؟ فقال : أبواي ، فقال : أذنا لك؟ فقال : لا ، قال : ارجع إليهما فاستأذنهما ، فإن أذنا لك فجاهد ، وإلا فبرهما» ، فهذا الحديث نص في اشتراط إذن الأبوين في الجهاد.
وما روي عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فاستأذنه في الجهاد فقال : «أحي والداك؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد» رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يجز الجهاد لمن له أبوان ولم يأذنا له ؛ وذلك لأن حق الأبوين على الولد وبره لهما متعين عليه ، والجهاد ليس متعينا ، فلو أوجبناه عليه للزم إبطال حق متعين بحق غير متعين ، وهو باطل فلا يكون الجهاد واجبا عند عدم الإذن ، بل لا ـ