ثم جعل العمى والعرج والمرض وعدم النفقة ونحوه عذرا في ترك الخروج (١) ، ولم يجعل شدة الحر وبعد المسافة ونحوه عذرا بقوله : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) [التوبة : ٨١].
__________________
(١) وهنا نتطرق إلى بيان شروط الجهاد فقد اشترط الفقهاء لوجوب الجهاد شروطا ـ منها :
(١) الإسلام : فلا جهاد على كافر حربيّا كان أو معاهدا أو ذميّا ؛ وذلك لأنه غير مأمون على المسلمين ، ولأن الذمي يدفع الجزية لندفع عنه ، لا ليدفع عنا.
(٢) الذكورة : فلا جهاد على المرأة ؛ لأنها ليست من أهل القتال لضعفها عن تحمل مشقته غالبا ، وعدم شجاعتها على لقاء الأعداء.
(٣) التكليف : اشترط الفقهاء فيمن يجب عليه الجهاد أن يكون بالغا عاقلا ، فلا جهاد على صبي ، ومجنون لعدم تكليفهما ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق» وفي الصحيحين عن ابن عمر قال : عرضت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في المقاتلة وفيهما أيضا أنه صلىاللهعليهوسلم رد ابن عمر يوم أحد ، وأجازه يوم الخندق ولقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) الآية [التوبة : ٩١] ، قيل : الضعفاء هم الصبيان لضعف أبدانهم ، وقيل : هم النساء لضعف عقولهم ، ولا مانع من العموم.
(٤) الحرية : فلا جهاد على رقيق ؛ لقوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[التوبة : ٤١] والعبد لا يملك مالا ولا نفسا ، فلا يشمله الخطاب ، والحكمة في عدم وجوب الجهاد عليه أنه مشغول بحقوق سيده.
(٥) سلامة البدن : والمراد بها ألا يكون بالشخص عجز يمنعه من القتال ، فلا يجب الجهاد على الأعمى ، أما ضعيف البصر الذي يدرك الشخص ويتقي السلاح ، والأعشى الذي يبصر في النهار دون الليل فيجب عليهما الجهاد ؛ لأنهما قادران عليه ، ولا جهاد على مريض مرضا شديدا يمنعه من القتال ، ولا على الأعرج الذي يعجز عن الركوب والمشي ، ولا على من قطعت إحدى يديه أو معظم أصابعه ، ولا على من به شلل ؛ لأن المقصود من الجهاد البطش والنكاية ، وهؤلاء لا يستطيعون ذلك. ولقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)[النور : ٦١] هذه الآية نزلت في الجهاد عند عامة علماء التفسير ، وقد نفى الله الحرج عمن ذكر ، وفي وجوب الجهاد والخروج له حرج عظيم على هؤلاء ، فكان ما عندهم من المانع مسقطا للفرض عنهم.
(٦) وجود الأهبة للقتال : وهو وجود المال والسلاح. يشترط لوجوب الجهاد وجود ما يحتاج إليه في القتال ، فلا جهاد على من لا يجد ما يحتاج إليه من سلاح ومركب ونفقة له ولعياله مدة ذهابه وإيابه ، فإذا لم يجد ما ذكر فلا جهاد عليه لقوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ)[التوبة : ٩١] ويندب للإمام بذل الأهبة من بيت المال ، ويلزم المجاهد قبولها ، والخروج للجهاد ؛ لأن ما يبذله الإمام حق له ، أما ما يبذله غيره فلا يجب عليه قبوله ، ويسقط عنه الجهاد ولا يلزمه السعي لتحصيل الأهبة ؛ لأنه اكتساب مال لا تجب به العبادة فلم يجب عليه كاكتساب المال للحج والزكاة.
(٧) الخلوّ من الدين : من شروط وجوب الجهاد ألا يكون الشخص مدينا وتفصيل الكلام فيه كالآتي :
ـ اتفق الفقهاء على أن من كان عليه دين حال وهو موسر يحرم عليه الخروج للجهاد إلا بإذن صاحب الدين أو استنابة من يقضي عنه دينه من ماله الحاضر. والدليل عليه ما رواه أبو قتادة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجل فقال : ـ