ولا يدخل فيه ما لم يذكر ؛ لما ذكرنا أنه لو ذكر الضعفاء لذكر المريض ، والأعمى ، والأعرج ، وجميع من ضعف عن الخروج من أنواع الأعذار ، ثم لم يدل ما ذكر من العدد وتخصيصه على أنه لا لمعنى ذكر ؛ فعلى ذلك خبر الربا.
__________________
ـ فيما ينسبه إليه الناسبون ـ عن سنة عملية رآها بنفسه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو حفظها منه ، بل كان اجتهادا منه ؛ ولذا لما بين له أبو سعيد الخدري خطأه في ذلك لم يقو على الدفاع عن رأيه ، ولم يبين لأبي سعيد سنة حفظها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، بل اعترف لعمر وابنه أنهما حفظا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم يحفظ. ورجع عن رأيه ، بل استغفر الله منه ، وعده ذنبا أذنبه فلا يليق بفقيه عنده مسكة من دين أن يرتب ثمرة على رأي رجع عنه صاحبه ولا يعده خلافا ، بل يجب المصير إلى رأي الجمهور ، فيد الله مع الجماعة.
ويحسن أن نذكر هنا نصوص بعض العلماء والمصنفين في الموضوع ؛ قال الترمذي على حديث أبي سعيد : العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وغيرهم. قال البيهقي في المعرفة : بأنه يحتمل أن الراوي اختصره ، فيكون النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن الربا في صنفين مختلفين ذهب بفضة أو تمر بحنطة فقال : «إنما الربا في النسيئة» فأداه دون مسألة السائل قال : وكبار الصحابة كلهم يقولون بربا الفضل. وعثمان بن عفان وعبادة بن الصامت أقدم صحبة من أسامة ، وأبي هريرة ، وأبو سعيد أكثر حفظا عن النبي صلىاللهعليهوسلم وقد وردت أحاديثهم بذلك ، فالحجة فيما رواه الأكبر ، والأحفظ ، والأقدم أولى).
والذي روى رجوع ابن عباس أشخاص كثيرون منهم جابر بن زيد وابن سيرين والحازمي في الناسخ والمنسوخ ومسلم ، أخرج مسلم عن أبي نضرة قال : (سألت ابن عباس عن الصرف فقال : إلا يدا بيد فقلت : نعم قال : فلا بأس فأخبرت أبا سعيد فقال : أو قال ذلك؟! إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه). وله من وجه آخر عن أبي نضرة : سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف ، فلم يريا به بأسا ، وإنى لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال : (ما زاد فهو ربا) فأنكرت ذلك لقولهما ، فذكر الحديث : قال : فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عن الصرف فكرهه ، وقد روى الحازمي أنه سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل فقال : حفظتما عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم أحفظ ، ورجع عن قوله. وروي أيضا أنه قال : كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال في المبسوط : روي عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه كان يجوز التفاضل في هذه الأموال ولا معتبر بهذا القول ؛ فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يسوغوا له هذا الاجتهاد على ما روي أن أبا سعيد الخدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ مشى إليه فقال : يا ابن عباس إلى متى تؤكل الناس الربا؟! أصحبت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم نصحب؟! أسمعت منه ما لم نسمع؟! فقال : لا ، ولكن حدثني أسامة بن زيد ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا ربا إلا في النسيئة» فقال : والله لا آواني وإياك ظل بيت ما دمت على هذا القول ، وقال جابر بن زيد ـ رضي الله تعالى عنه ـ : ما خرج ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف ، والمتعة ، فإن لم يثبت رجوعه ، فإجماع التابعين رحمهمالله بعده يرفع قوله. قال محمد بن سيرين : كنا في بيت ومعنا عكرمة فقال رجل : يا عكرمة تذكر ونحن في بيت فلان ومعنا ابن عباس ، فقال : إنما كنت استحللت الصرف برأيي ، ثم بلغني أنه صلىاللهعليهوسلم حرمه فاشهدوا أني حرمته وبرئت منه إلى الله.
ينظر : المبسوط (١٢ / ١١٠) ، والزيلعي (٤ / ٨٦) ، والفخر الرازي (٢ / ٣٥٨) ، النووي على مسلم (١١ / ٢٥) ، ونيل الأوطار (٥ / ١٦٣) ، والمغني (٤ / ١٢٣).