__________________
ـ وهي حديث أسامة عند الشيخين ، وغيرهما بلفظ : «إنما الربا في النسيئة» ، وزاد مسلم عن ابن عباس «لا ربا فيما كان يدا بيد».
وأخرج الشيخان عن أبي المنهال : (قال : سألت زيد بن أرقم ، والبراء بن عازب عن الصرف؟ فقالا : (نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بيع الذهب بالورق دينا). ووجه الدلالة في هذه الأحاديث :
أن الرواية الأولى قد قصرت الربا المحرم على ربا النسيئة فقط ، والرواية الثانية نصت على نفي الربا عما إذا كان يدا بيد ، أما الرواية الثالثة فقد صرحت بأن النهي عن الربا في حالة الدين فقط ، ويؤخذ منه بطريق المفهوم إباحته عند المناجزة.
المناقشة :
وقد ناقش الجمهور أدلة المنسوب إلى ابن عباس ومن معه ؛ لعدة مناقشات منها :
أ ـ لا نسلم أن لفظ الربا في الآية خاص ، بل عام أيضا ، فكما أحلت الآية كل بيع إلا ما أخرجه الدليل ـ حرمت كل ربا كذلك. ولا شك أن في ربا الفضل زيادة كربا النسيئة ، بل هي فيه أوضح ، ولذا سماه النبي صلىاللهعليهوسلم ربا بقوله : «فمن زاد أو استزاد فقد أربى» ، فيكون مشمولا بالآية.
ب ـ لو سلمنا أن لفظ الربا خاص بربا النسيئة ، فقد ألحقت السنة المشهورة به ربا الفضل ، وليس صحيحا كون الحديث خبر آحاد ـ كما يقول الرازي ـ بل هو مشهور يصح الاحتجاج به في الأحكام ، وتجوز الزيادة به على الكتاب عند الحنفية.
ج ـ وأما رواية مسلم عن ابن عباس فموقوفة عليه.
د ـ ورواية الشيخين عن أبي المنهال لا دلالة فيها على حل ربا الفضل : أما عند القائلين بعدم حجية المفهوم فظاهر ، وأما القائلون بحجيته فيخصصونه بحديث أبي سعيد السابق على أن هذا في كلام الراوي.
ه ـ أجابوا عن حديث أسامة بعدة إجابات منها :
أولا : أنه منسوخ ، وهذه إجابة ضعيفة ؛ لأن النسخ لا يثبت إلا بدليل تاريخي ، ولم يوجد. وأقوى من هذا الأجوبة التالية وهي :
ثانيا : أن لفظ الربا في حديث أسامة محمول على الربا الأغلظ ، فليس القصر حقيقيّا ، بل هو إضافي ، أو ادعائي.
ثالثا : أن مفهوم حديث أسامة عام ، يشمل حل التفاضل في هذه الأصناف ، وغيرها ، وحديث أبي سعيد خصص هذا المفهوم فمنع بمنطوقه التفاضل في الأصناف الربوية.
وقريب من هذا ما أجاب به الشافعي ـ رضي الله عنه ـ من أن حديث أسامة مجمل ، وحديث أبي سعيد وعبادة مبين ؛ فوجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه.
رابعا : وهناك تأويل آخر لحديث أسامة يجيب به بعض الفقهاء ، وهو أنه كان إجابة لمن سأل عن بيع الحنطة بالشعير ، أو الذهب بالفضة ، فنقل الراوي الإجابة ، ولم ينقل السؤال ، إما لعدم علمه ، أو لعدم اشتغاله بنقله.
قال صاحب المبسوط : وتأويل حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن مبادلة الحنطة بالشعير والذهب بالفضة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا ربا إلا في النسيئة» ، فهذا بناء على ما تقدم من السؤال ، فكأن الراوي سمع قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يسمع ما تقدم من السؤال ، أو لم يشتغل بنقله.
يتبين جليّا من الأدلة السابقة ، وتوجيهها ومناقشاتها رجحان مذهب الجمهور. على أن ما نسب إلى ابن عباس ، ومن معه ثبت رجوعهم عنه ، ولم يصدر ابن عباس في هذا الرأي ـ الذي رآه أولا ـ