وفي كل حرف من هذه الحروف ما يفهم منه معنى الآخر ، فلما ذكر دل أن المراد من ذكر الضعفاء الزمنى ؛ من نحو الأعمى والأعرج ، فكان كقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) [النور : ٦١] ، فتكون الآيتان واحدة ؛ أعني : معناهما واحد.
وفيه دلالة أن ليس في ذكر عدد من الأشياء حظر دخول غير المذكور في حكم المذكور إذا كان في معناه ؛ ولهذا قال أصحابنا : إنه ليس فيما ذكر رسول الله عدد في الربا بقوله : «والحنطة بالحنطة ، والذهب بالذهب ، والفضل ربا» (١) على أنه لا لمعنى ورد ،
__________________
(١) لا خلاف بين العلماء في أن الربا يكون في البيع أو السلم ، أو القرض. غير أن جمهور الصحابة والتابعين ، وفقهاء الأمصار يرون أن الربا نوعان ، أحدهما : ربا النسيئة ، كبيع ذهب بفضة إلى أجل ، أو بيع إردب قمح بمثله إلى أجل كذلك.
وثانيهما : ربا الفضل ، وهو ما يسمى ربا النقد كبيع إردب من البر بإردب ونصف منه يدا بيد وخالف في ذلك ابن عباس ، وأسامة بن زيد من الصحابة ، وكذلك ابن عمر ، حيث قالوا : إنه لا ربا إلا في النسيئة ، فيحل عندهم أخذ درهم بدرهمين : إذا كان يدا بيد ، وليس التفاضل عندهم بمحرم حينئذ.
هكذا كانوا يقولون : ثم صح عنهم أنهم رجعوا عن ذلك إلى قول الجمهور.
الأدلة :
استدل الجمهور بالكتاب والسنة. أما الكتاب : فقوله تعالى : (وَحَرَّمَ الرِّبا)[البقرة : ٢٧٥] ، ووجه الدلالة فيه أن لفظ الربا عام ، يتناول جميع أفراد ما يصدق عليه اسم الربا فيكون الكل محرما. وأما السنة : فما ثبت في الصحاح من كتب السنة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا ، والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا ، والحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا ، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا ، والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا ، والتمر مثلا بمثل يدا بيد ، والفضل ربا».
وهذا حديث مشهور تلقاه العلماء بالقبول والعمل به ومثله حجة في الأحكام ، ومداره على أربعة من الصحابة رضوان الله عليهم وهم عمر بن الخطاب ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبو سعيد الخدري مع اختلاف ألفاظهم.
ووجه الدلالة فيه : أن قوله صلىاللهعليهوسلم : «مثلا بمثل» يدل بمفهومه على أن الزيادة لا تحل ، سواء أكانت حالة أم مؤجلة ، ثم تأكد هذا المعنى بتصريحه صلىاللهعليهوسلم بقوله : «والفضل ربا» ، فصار ربا الفضل مندرجا تحت أنواع الربا. وقد حرم الله الربا في كتابه ، فكان هذا حراما. ومثل ذلك ما جاء في بعض الروايات من قوله صلىاللهعليهوسلم : «فمن زاد أو استزاد فقد أربى» ، وهذا نص في الموضوع.
دليل المروي عن ابن عباس ومن معه :
استدل لهم الفخر الرازي بما يأتي : ـ
أولا : بالكتاب :
وهو قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)[البقرة : ٢٧٥] ووجه الدلالة فيه أن لفظ البيع عام ، يتناول بيع الدرهم بالدرهمين ، والربا خاص بربا النسيئة الذي كان مشهورا في الجاهلية. والحديث عنده خبر آحاد لا ينهض مخصصا للآية.
ثانيا : بالسنة : ـ