عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) الآية.
فإن قيل : كيف احتمل أن تكون آية واحدة في فريقين مختلفين ، إذا قرئ بالتخفيف فهي في الذين لهم عذر ، وإذا قرئ بالتشديد فهي في الذين لا عذر لهم؟
قيل : تصير على اختلاف القراءة كآيتين في حالتين ووقتين مختلفين ، إن كان تأويل المعذر بالتشديد هو الذي يعتذر ولا عذر له ، والمعذر ـ بالتخفيف ـ هو الذي له عذر.
أو كان تأويل إحدى القراءتين على ضد الأخرى كان لهم عذر في حال ، ولا عذر لهم في حال أخرى ، وإلا لا يحتمل أن تكون القراءتان جميعا في وقت واحد ، وتأويلهما على الاختلاف الذي ذكروا ، وهو كقوله : (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سبأ : ١٩] و (رَبَّنا) بالرفع (١)(باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) أحدهما : على الدعاء ، والآخر : على الإيجاب ، هما آيتان صارتا آية واحدة لاختلاف القراءة ، والله أعلم.
وقوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ).
لو لم يذكر المرضى ولا الذين لا يجدون ما ينفقون ، لكان المفهوم من قوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) المرضى والذي لا يجد ما ينفق.
وكذلك إذا ذكر المريض كان في ذكره ما يفهم منه كل ضعيف ، وكل ما لا يجد ما ينفق.
__________________
(١) قوله : (ربّنا) العامة بالنصب على النداء. وابن كثير وأبو عمرو وهشام (بعّد) بتشديد العين فعل طلب ، والباقون باعد طلب أيضا من المفاعلة بمعنى الثلاثي. وقرأ ابن الحنفية وسفيان بن حسين وابن السميفع : (بعد) بضم العين فعلا ماضيا والفاعل المسير أي بعد المسير ، و (بين) ظرف وسعيد ابن أبي الحسن كذلك إلا أنه ضمن نون بين جعله فاعل (بعد) فأخرجه عن الظرفية ، (كقراءة تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] ، رفعا. فالمعنى على القراءة المتضمنة للطلب أنهم أشروا وبطروا فلذلك طلبوا بعد الأسفار ، وعلى القراءة المتضمنة للخبر الماضي يكون شكوى من بعد الأسفار التي طلبوها أولا. وقرأ جماعة كبيرة منهم ابن عباس وابن الحنفية ويعقوب وعمرو بن فائد : (ربّنا) رفعا على الابتداء بعد بتشديد العين فعلا ماضيا خبره ، وأبو رجاء والحسن ويعقوب كذلك إلا أنه (باعد) بالألف ، والمعنى على هذه القراءة شكوى بعد أسفارهم على قربها ودنوها تعنتا منهم. وقرئ : (بوعد) مبنيّا للمفعول.
ينظر : الإملاء للعكبري (٢ / ١٠٦) ، والتبيان للطوسي (٨ / ٣٥١) ، وتفسير الطبري (٢٢ / ٥٨) ، والمجمع للطبرسي (٨ / ٣٨٤) ، وتقريب النشر (١٦٦) والنشر (٢ / ٣٥٠) ، والكشف (٢ / ٢٠٧) ، والقرطبي (١٤ / ٢٩٠) ، والسبعة (٥٢٩) ، والإتحاف (٣٥٩) ، والكشاف (٣ / ٢٨٦) ، وإعراب النحاس (٤ / ٣٤٢) ، ومعاني الفراء (٢ / ٣٥٩) ، والمحتسب (٢ / ١٨٩) ، وأبو حيان في البحر (٧ / ٢٧٣) ، والدر المصون (٤ / ٤٣١) ، وإعراب القرآن للزجاج (٤ / ٢٥٠) ، ومختصر ابن خالويه (١٢١).