وقال : لعن الله المعذّرين ؛ كأنه ذهب إلى أن المعذر هو الذي له عذر ، والمعذّر بالتشديد : الذي لا عذر له ؛ لذلك لعن المعذّر.
قال أبو معاذ : وأكثر كلام العرب المعذر الذي له عذر ، وهو قولهم : قد أعذر من أنذر.
وقال أبو عوسجة : ـ المعذر بالتشديد ـ : الذي لا يناصح ، إنما يريد أن يعذر ، ويقال : عذرت في الأمر : إذا لم تبالغ فيه ، وأعذرت في الأمر ، أي : بالغت فيه.
وقال القتبي : المعذرون ـ بالتشديد ـ : هم الذين لا يجدون [ما ينفقون] ، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه ؛ يقال : عذرت في الأمر : إذا قصرت ، وأعذرت : جددت.
ثم قال بعض أهل التأويل : دل هذا على أن أهل النفاق كانوا صنفين : صنف كانوا يستأذنون [في] القعود ، وصنف لا يستأذنون ، ولكن يقعدون بقوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ).
دلّ قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) على أن من أهل النفاق من قد آمن ، وأن من تاب يقبل ذلك منه ؛ لأنه قال : (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ولم يقل : سيصيبهم عذاب أليم.
وقال بعضهم : المعذرون ـ بالتخفيف ـ : هم المؤمنون الذين لهم عذر في التخلف ، أتوا رسول الله لينظر في أمرهم الأوفق : إن كان الخروج لهم أوفق يخرجون ، وإن كان القعود أوفق يقعدون ؛ يدل على ذلك الآية التي تتلو هذه وهي قوله ـ عزوجل ـ : (لَيْسَ
__________________
ـ والثاني : أن يكون وزنه (افتعل) والأصل : (اعتذر) ، فأدغمت التاء في الذال بأن قلبت تاء الافتعال ذالا ، ونقلت حركتها إلى الساكن قبلها ، وهو العين ، ويدل على هذا قراءة سعيد بن جبير : (المعتذرون) على الأصل ، وإليه ذهب الأخفش ، والفراء وأبو عبيد ، وأبو حاتم ، والزجاج ، وابن الأنباري ، والاعتذار قد يكون بالكذب ، كما في قوله : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ)[التوبة : ٩٤] ، وكان ذلك الاعتذار فاسدا ، لقوله : (لا تَعْتَذِرُوا)[التوبة : ٩٤] ، وقد يكون بالصدق ، كقول لبيد :
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد : فقد جاء بعذر.
ينظر : اللباب (١٠ / ١٦٨) ، وإتحاف الفضلاء (٢٤٤) ، والإعراب للنحاس (٢ / ٣٤) ، والبحر المحيط (٥ / ٨٣ ـ ٨٤) ، والتبيان للطوسي (٥ / ٢٧٧) ، وتفسير الطبرى (١٠ / ١٤٤) ، وتفسير القرطبي (٨ / ٢٢٤) ، والحجة لأبي زرعة (٣٢١) ، والكشاف (٢ / ٢٠٧) ، والمجمع للطبرسي (٥ / ٥٨) ، والمعاني للأخفش (٢ / ٣٣٥) ، والمعاني للفراء (١ / ٤٤٨) ، وتفسير الرازي (١٦ / ١٥٩) ، والنشر لابن الجزري (٢ / ٢٨٠).