ثم طلب المغفرة من الله والشفاعة لو يجيء لا يكون إلا للخواص من الخلق وهم الرسل والأنبياء ، على ما يكون في الشاهد لا يرفع إلى ملوك الأرض الحاجة ليقربهم إلا الخواص لهم ولا يشفعون إلا أهل الشرف عندهم والمنزلة ، لكن الله ـ تعالى ـ أذن لنا في استغفار غيرنا بقوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) [الحشر : ١٠].
وقوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
يحتمل قوله : (عَلَيْهِمْ) أي : سواء عندهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ، ويكون طلب استغفارهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم استهزاء منهم به ، حيث قال : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا) [الفتح : ١١] ، يخرج قولهم : (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) مخرج الاستهزاء على هذا التأويل.
ويحتمل قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) أي : سواء عند الله أستغفرت لهم ، أم لم تستغفر لهم ـ فإنه لا يغفر لهم بكفرهم بالله ورسوله. ثم قوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) يحتمل : ذكر السبعين ؛ لأن السبعين هو النهاية والغاية في الاستغفار ، على ما روي أنه كان يستغفر في كل يوم سبعين استغفارا ، فأخبر : أنك وإن انتهيت النهاية فيه لا يغفر لهم ولا ينفعهم ذلك.
وقوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
وقت اختيارهم الفسق ، أو لا يهديهم طريق الجنة في الآخرة ؛ لفسقهم في الدنيا ، إذا ماتوا على ذلك.
قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)(٨٥)
وقوله : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ ...) الآية.
جمعوا ـ أعني المنافقين ـ جميع خصال الشر التي فعلوا :