ويحتمل قوله : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) أي : سخر أولياء الله منهم ، فأضيف إليه ، وكذلك يحتمل قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥] أي : يستهزئ بهم أولياؤه ، وهو قوله : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [الحديد : ١٣] فذلك استهزاؤهم بهم ، وذلك جائز في اللغة إضافة الشيء إلى آخر ، والمراد منه غير مضاف إليه.
وقوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) : قال عامة أهل التأويل : إنه لما مات عبد الله بن أبي أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يصلي عليه ، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه ، فقال : أأمرك الله بهذا؟ قال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فقال : «قد خيرني ربي ، افعل أو لا تفعل» (١). وفي بعض الروايات قال له عمر : لا تستغفر ؛ فإن الله قد نهاك عن هذا. فقال رسول الله «إنما خيرني الله فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على سبعين» (٢) أو كلام نحو هذا. فأنزل الله عند ذلك : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [المنافقون : ٦] ، لكن هذا يبعد [أن] يفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الآية التخيير ، وعمر يمنعه من ذلك ، ولا يجوز أن يفهم التخيير في ذلك ، أو يخرج ذلك على التحديد ، أو تكون منسوخة بالتي في «المنافقين» ؛ لأنه وعيد ، والوعيد لا يحتمل النسخ.
والوجه فيه ـ والله أعلم ـ : إن استغفرت لهم فإن استغفارك ليس بالذي يرد فلا يجاب ، لكنهم قوم كفروا بالله ورسوله ، وقد تعلم من حكمي أني لا أغفر لمن مات على ذلك. [على ذلك] يخرج على الاعتذار لرسوله في ذلك ، والنهي له عن الاستغفار لهم ؛ كقوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) [التوبة : ١١٣] ، وقد علم شرك المنافقين وكفرهم بالله ورسوله ؛ فنهاهم عن الاستغفار لهم ؛ إذ لا يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يطلع رسوله على كفرهم ؛ فدل على أنه بعد العلم بذلك نهاه.
وفيه دلالة نقض قول المعتزلة في قولهم : «إن صاحب الكبيرة لا يغفر له» ؛ لأنه أخبر أنه لا يغفر لهم بما كفروا بالله ورسوله ؛ فدل أن من لم يكن كفر بالله ورسوله فإنه يغفر له ، وأن له الشفاعة ، وصاحب الكبيرة ليس بكافر ، دل أنه ما ذكرنا.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤٦٧٠) ، (٤٦٧٢) ومسلم (٣ / ٢٧٧٤) وأحمد (٢ / ١٨) والترمذي (٣٠٩٨) وابن ماجه (١٥٢٣) والنسائي (٤ / ٣٦) عن ابن عمر بنحوه.
(٢) انظر التخريج السابق.