وقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) :
يحتمل هذا وجهين :
أن قد علموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ؛ لكثرة ما يطلع رسوله على ما أسروا من الخلاف له وذكرهم السوء في رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والثاني : ألم يعلموا أي : الذين نافقوا أن يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم ، فيطلع رسوله على سرهم ونجواهم فيتركوا الطعن في رسول الله ، وذكر ذلك والخلاف له.
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
أي : علام بالغيوب التي غابت عن الخلق ، وإلا ليس شيء يغيب عنه ، ما غاب عن الخلق وما لم يغب عنده بمحل واحد. أو (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، أي : علام بما يكون أبدا في جميع الأوقات التي تكون. [و] فيه دلالة أنه عالما بما فى الضمائر والسرائر وما كان غائبا عن الخلق والغيب : هو ما علم أنه يكون له أنه كان (١) ولم يزل عالما ؛ لما ذكرنا.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٨٠)
وقوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ...) الآية.
يشبه أن تكون الآية صلة قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) إلى قوله : (وَتَوَلَّوْا).
إن أهل النفاق كانوا أهل بخل لا ينفقون إلا مراءاة وسمعة ، فظنوا بمن أنفق من المسلمين وتصدق ظنّا بأنفسهم ، فقالوا : إنهم أنفقوا وتصدقوا مراءاة وسمعة.
[وقد] ذكر في بعض القصة أن عبد الرحمن بن عوف أتى بنصف ماله في غزوة تبوك يتقرب به إلى الله ، وقال : يا نبي الله ، هذا نصف مالي أتيتك به ، وتركت نصفه لعيالي ، فدعا النبي صلىاللهعليهوسلم أن يبارك له فيما أعطى وفيما أمسك ، فلمزه المنافقون وقالوا : ما أعطى إلا رياء وسمعة. وجاء رجل آخر من فقراء المسلمين بصاع من تمر فنثره في تمر الصدقة ، فقال له نبي الله صلىاللهعليهوسلم خيرا ودعا له ، فقال المنافقون : إن الله لغني عن صاع هذا ، فذلك لمزهم (٢).
__________________
(١) هكذا العبارة في الأصول ، والظاهر أن فيها اضطرابا.
(٢) أخرجه الطبري (١٧٠١٩) عن ابن عباس وعن غيره وزاد السيوطي في الدر (٣ / ٤٧٠) نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وذكر له شواهد أخرى فانظرها.