إنه كان منافقا وقتئذ. ويحتمل (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : من الشاكرين. وكذلك ذكر في الخبر أن ثعلبة لما سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يسأل الله له مالا فقال : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي حقه. أو كلام نحو هذا.
وقوله : (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ).
يحتمل : تولوا عن وفاء ما وعدوا ، أو تولوا عن طاعة الله ، (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) : أيضا عن طاعة الله ، أو معرضون عما وعدوا وعاهدوا أن يوفوا.
وقوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) :
قال بعضهم أثابهم نفاقا بما بخلوا به إلى يوم القيامة.
وقال بعضهم : أعقبهم الدوام على النفاق (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة : ٧٧].
ينبغي للمسلم أن يجتنب الكذب والخلف في الوعد ؛ فإنه سبب النفاق أو نوع من النفاق ، [و](١) على ذلك روي في الخبر : «أن اجتنبوا الكذب ؛ فإنه باب من النفاق ، وعليكم بالصدق ؛ فإنه باب من الإيمان» ، وفي بعضها عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أربع من كن فيه كان منافقا : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر» ، وفي بعضها : «وإذا اؤتمن خان».
فإن قيل : إن أولاد يعقوب اؤتمنوا فخانوا ، وحدثوا فكذبوا بقولهم : (يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) [يوسف : ١٤] ، ووعدوا فأخلفوا ، فترى أنهم نافقوا؟ (٢)
قيل : ما روي أن من إذا حدث كذب هو الكذب في أمر الدين ، وأما الكذب في غير أمر الدين فإنه لا يوجب النفاق.
وفي الآية دلالة ألا ينص بالسؤال في شيء على غير الخبر فى ذلك من الله ؛ ألا ترى أن ثعلبة لما ألح على الرسول صلىاللهعليهوسلم بالسؤال أن يسأل ربه ليرزقه مالا ففعل ، فأعقبه الله نفاقا إلى يوم القيامة؟!
ولأن أولاد يعقوب قد قدموا التوبة والإصلاح قبل صنيعهم الذي صنعوا على خوف منهم بما فعلوا والمنافقين ، وأصله : أن اعتقاد الكذب ، واستحلال الخلاف لما عهد ، والخلف في الوعد ـ هو الموجب للنفاق ، فأما ترك الوفاء على غير استحلال منه فلا يوجب ما ذكر ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط في الأصول.
(٢) ورد في هذا المعنى أثر عن عطاء بن أبي رباح رواه عنه محمد المحرم أخرجه الطبري (١٧٠١٤).